بعينه، فلا يجوز بعد ذلك من واحد منهم ولا جماعتهم خلافه كما لا يسعهم خلاف كتاب الله تعالى.
فإن قيل: إن السكوت قد يكون مهابة، فقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن حجته على رد العول في الفرائض فذكرها، فقيل له: هلا ذكرتها لعمر رضي الله عنه؟ فقال: مهابة له.
قلنا: ما هذا بصحيح عندنا فعمر رضي الله عنه كان يقدمه على الكثير من الصحابة ويسأله ويمدحه ويستحسن اجتهاده، وقد ظهر رده عليه في مسائل.
ولئن ثبت فتأويله أن مهابته لسبقه عليه في الدين والفقه والرأي، منعته عن المبالغة في المناظرة لا أنه سكت عن نفس الرد فعمر رضي الله عنه كان ألين للحق من غيره.
وكان يقول: لا خير فيكم ما لم تقولوا ولا خير في ما لم أسمع.
وكان يقول: رحم الله امرأً أهدى إلى أخيه عيوبه وكان أكثر الصحابة شورى.
وجائز عندنا ان يكون فقيهان مختلفان في مسألة، واحدهما أسبق وأكثر فقهاً فيسلم الذي هو دونه للذي هو فوقه اتهاماً لرأي نفسه، ولا يرد عليه رد منكر.
فإن قيل: أليس أن عمراً رضي الله عنه شاور الصحابة في مال فضل عنده للمسلمين، فأشاروا عليه بالإمساك إلى وقت الحاجة، وعلي رضي الله عنه كان ساكتاً في القوم فسأله عمر رضي الله عنه فقال: قد تكلم القوم. فقال: لتتكلمن، فأمر بالقسمة. وروى فيها حديثاً عن النبي عليه السلام فقد استجاز علي رضي الله عنه السكوت وعنده الحكم بخلاف ما أفتوا.
قلنا: إن علياً رضي الله عنه استجاز السكوت لأن ما أشار القوم إليه من الإمساك إلى وقت نائبة أخرى كان حسناً جائزاً، ولكن لما استنطق نطق بالقسمة ففيها الاحتياط للخروج عن الأمانة وهو الأحسن والنطق بمثل هذا لا يجب، ولكن يحسن فيجوز السكوت عنه، ويكون دلالة على حسن ما ظهر على أنا لم نجعل نفس السكوت دلالة على التقرير فإنه جائز للتأمل فيما قال القوم، ولتجربة أفهامهم إلى وقت الإمضاء.
ثم لا عبرة لمخالفة العامة لأنه لا بصر لهم في الباب، كما لا عبرة بالمجانين في كل باب.
ولا عبرة بالذين لا تقبل شهادتهم في ابا الدنيا لتهمة الكذب بسبب الفسق لأن أمر الدين فوق أمر الدنيا فكل تهمة أوجبت رد شهادتهم في باب الدنيا أوجبت ردها في باب الدين، إلا أن ما وراء تهمة الفسق من نحو الأبوة من الإباء والضغينة لا تتصور تهمة في