باب
القول في حكم العلة
قال القاضي رضي الله عنه: هذا باب سهل على القلوب علمه، صعب استعماله لشدة ما ثبت من عادات المناظرين بخلافه، ليروض مريده قلبه بالصرف عن العادة إلى الحجة ثم يستعمله، وما التوفيق إلا بالله.
اختلف العلماء في العبارة عن حكم العلة التي نسميها قياسًا، أو نسميها معلومة بالنظر والرأي؟
وقال علماؤنا: حكم هذه العلة تعدية حكم النص المعلل إلى فرع، ولا نص فيه، ولا إجماع، ولا دليل فوق الرأي.
وقال قائلون: حكم العلة؛ تعلق حكم النص بالوصف الذي تبين علة.
وإنما يتبين هذا الجواب بقول علمائنا: إن العلة متى لم تكن متعدية كانت فاسدة، ومتى تعدت إلى فرع منصوص عليه كانت باطلة أيضًا، وقد مر فصل الفرع المنصوص عليه، وإنما هذا الباب لبيان نفس حكم العلة الصحيحة.
فأما الذين قالوا: إن حكم العلة هو تعلق الحكم بها، فقد شبهوا هذه العلة بالعلل العقلية، فإنها لا تعرف عللًا إلا بتعلق وجود أحكامها بها.
وكذلك العلل الشرعية إذا كانت منقولة عن صاحب الشريعة فالأحكام تصير متعلقة بها.
وكذلك أسباب وجود العبادات والكفارات والعقوبات ونحوها علل شرعية للوجوب وقد تعلقت بها.
والجواب عنه وهو الطريق في الباب: ما ذكرنا أن هذه العلة التي نحن فيها صحتها منوطة بشرط أن تكون بعد النص على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لم تجد في سنة رسول الله فبالرأي على ما مر في باب إثبات القياس، وبالإجماع يجب عليه طلب الحكم بكتاب الله تعالى ثم بالخبر ثم بالرأي، وكذلك ثبت بالإجماع على ما مر في الباب الأول أن النص لا يجوز تعليله بعلة تغيير حكم النص في نفسه.
وإذا كان كذلك وجب أن يبقى الحكم بعد التعليل على ما كان مضافًا وجوبه إلى النص دون العلة، فإنك متى قصرت الإضافة إلى العلة كنت غيرت حكم النص عما كان