باب
القول في بيان فساد الوضع
وإنه من باب الشهادة يجري مجرى فساد الأداء، وإنه فوق النقص لأنه إنما يشتغل بإطراده بعد صحته علة، كالشهادة إنما تشتغل بتعديل الشاهد بعد صحة الأداء، وإنه أقوى من النقض لأن الوضع متى فسد لم يبق إلا الانتقال، والنقض خجل مجلس يمكن الاحتراز عنه بمجلس آخر.
وبيان ذلك أن الشافعي رحمه الله متى علل لوجوب الفرقة بعد إسلام أحد الزوجين بأنها فرقة وجبت لاختلاف الدينين فأشبهت الفرقة بالردة، كان فاسد الوضع.
لأن الاختلاف إنما يثبت فيما نحن فيه بإسلام المسلم منهما فقد كان الاتفاق ثابتا قبله، وإنما حدث الاختلاف بالحادث من الدين وهو الإسلام، والإسلام في الشرع جعل عاصما للأملاك لا مبطلا فكان الوصف ثابتا.
وكذلك متى علل لمسح الرأس بأنه ركن في الوضوء فيثلث كالغسل، كان فاسد الوضع لأن الشرع بنى المسح على التخفيف في مقابلة الغسل، وهو سعي ليزيد غلظا على الغسل، فإنه أوجب تثليث المسح بعد إكمال الفرض بما فوق قدر الجواز.
وكذلك قولهم: الصرورة إذا حج نفلا كان عن الفرض، لأن نية مطلق الحج تقع عن الفرض، فكذلك نية النفل كما لو تصدق بالنصاب ينوي الصدقة مطلقا، أو ينوي النفل لأنه قصد أن يحمل المفسر على المجمل والمقيد على المطلق وإنه فاسد وضعا، لأن المجمل مما يحمل على المفسر، وكذلك المطلق يحمل على المقيد على أصل الشافعي رحمه الله.
وكذلك عندنا إذا كان حكما واحدا كما في كفارة اليمين حملنا مطلق الكتاب بثلاثة أيام على مقيده بقراءة عب الله بن مسعود رضي الله عنه "فصيام ثلاثة أيام متتابعات" ألا ترى أن مطلق تسمية الدراهم ينصرف إلى نقد البلد، ومفسره بنقد آخر لا ينصرف إليه؟
وعلل خبر ربا الفضل بالطعم، قال: لأن الطعم يتعلق به القوام فكان له زيادة حرمة على غيره، فعلق جواز البيع فيه بشرط زائد وهو المساواة إظهارا لحرمته، وإنه فاسد وضعا لأن المال خلق بذلة لحاجتنا إليه، وأشد الحاجات حاجة البقاء فزيد هذا المعنى في ابتذاله وتوسع أمر كسبه لا أن يزيد تضيقا، حتى حل أكل طعام الغنيمة قبل أن تخمس بخلاف سائر الأموال.