باب
القول في الفرق بين العلة والسبب والشرط والعلامة
أما السبب في اللغة: فالطريق، والسبب الحبل أيضا، ثم استعير لكل شيء هو مدخل لغيره، من غير أن يكون ذلك الغير واجبا به بل بعلة أخرى غير حادثة بما كان سببا، فكان بمعنى الطريق لا يوصل إلى المقصود من الأمصار بدونه، ولكن لا يوصل به بالمشي الموجود باختيار الماشي على الطريق.
وكالحبل الذي لا يوصل إلى الماء الذي هو المقصود بدونه، ولا يوصل به بل باستيفاء النازح بقوته والحبل آلة، وإرسال الله تعالى إلى خلقه رسوله صلى الله عليه وسلم سبب هداهم والتخويف بالنار سبب الانزجار عن المعاصي، والترغيب في الجنة سبب الطاعة، ووسوسة إبليس سبب العصيان، ودلالة السارق على المال سبب السرقة، والاستغناء سبب الطغيان، وأما العلة فقد مر تفسيرها وحدها في أول الكتاب.
وأما الشرط في اللغة: فعلم على الشيء من حيث أن الوجود يكون مضافا إليه دون الوجوب بخلاف العلة فإنها اسم لما يضاف إليه الوجوب، فمن حيث كان وجوب ذلك الشيء بعلة غير الشرط كان الشرط علما، ومن حيث أن الوجود يضاف إليه كان علة فكان بين العلم والعلة، فكان اسما لما يمتنع وجود العلة إلا بوجوده لا لما يجب به العلة أو الحكم.
وأشراط الساعة أعلامها.
وسمي الحجام شراطا لأنه يعلم مواضع الحجامة.
ومنه الشرطي لأنه خص نفسه بضرب لبسة جعلها علما على نفسه.
والصكوك شروط لأنها أعلام على التذكير.
وكلمة "إن" في اللغة كلمة شرط نحو قولك: إن أكرمتني أكرمتك، لأن قولك: أكرمتك إخبار عن كرامة فعلتها ولما علقتها بكلمة "إن" انعدم، وصار إن إذا تحقق علما على الكرامة؛ إن فعلت كذا فعبده حر، صار الفعل علما على العتق.
ولهذا قالت العلماء في علة التلف وشرطه إذا اجتمعا: إن الضمان يجب على صاحب العلة ما أمكن نحو حافز البئر على الطريق والدافع فإن الضمان على الدافع، لأن الحافز صاحب شرط لأنه بحفره أزال ما كان الماشي يستمسك عليه فبالأرض كان الآدمي يستمسك عليها، فإذا زالت الأرض لم يكن السقوط بزوالها بل بثقل الآدمي حيث لا