باب
القول في أقسام التقليد وما فيه من الحجة على صحته وفساده
قال جمهور أهل العلم بلا خلاف: إن القول بالتقليد باطل.
وقال بعض الحشوية: القول بالتقليد حق لأن أصل البشر آدم عليه السلام وكان يجب تقليده وإتباعه، فيبقى ما ثبت على ما ثبت إلى أن يقوم الدليل على خلافه، فالحقية في الإنسان أصل كالحرية، وكما يحكم لمجهول النسب بالحرية حتى يثبت خلافه فيحكم لمجهول الحال في قوله وفعله بالحقية حتى يثبت خلافه.
ولأن فعل العاقل وقوله على الصوب بدلالة عقله حتى يظهر خطاؤه فقبل الظهور يجب إتباعه ألا ترى أنكم تقلدون الصحابي كما تقلدون النبي صلى الله عليه وسلم، وتتركون الرأي بقول الصحابي ولم يكن معصوما عن الكذب لأنهم أصحاب من كان يجب تصديقه بسبب الوحي، فكذلك التابعون يجب تقليدهم لأنهم أصحاب من وجب تقليده فلا يزال يدور هكذا.
إلا أنا نقول: إن أصل التقليد باطل، لأن الله تعالى رد على الكفرة احتجاجهم بإتباع الآباء بنفس الرؤية والسماع من غير نظر واستدلال.
ولأن خبر هذا المخبر أو فعله يحتمل الصواب والخطأ، والمحتمل لا يكون حجة، ألا ترى أن الإيمان بالأنبياء عليهم السلام لم يجب بنفس الدعوة لاحتمال الصدق والكذب حتى تقوم المعجزة.
فكذلك غير الأنبياء لأنهم دونهم إلا أنا بدلالة المعجزة عرفنا عصمتهم عن الكذب والخطأ فاتبعناهم لقيام دلالة العصمة، وقد فقدت هذه الدلالة في غيرهم فلا يجب إتباعهم كما لا يتبع النبي صلى الله عليه وسلم قبل إقامة المعجزة.
فإن قيل: الأصل الحق فلا يبطل بالاحتمال.
قلنا: هذا الأصل ثابت في صاحب المعجزة بدليل المعجزة لا بكونه آدميا والمعجزة معدومة في غيره فلا يثبت الحكم الثابت بدليله.
فإن قيل: فالحقية تثبت بدلالة العقل وقد قامت في النسل.
قلنا: دلالة العقل تدل على الحقية ظاهرا ولا تدل على وجوب العصمة عن الباطل