باب
القول في الإلهام
الإلهام: ما حرك القلب بعلم يدعوك إلى العمل به من غير استدلال بآية ولا نظر في حجة.
قال جمهور العلماء: إنه خيال لا يجوز العمل به إلا عند فقد الحجج كلها في باب ما أبيح عمله بغير علم.
وقال بعض الحبية: إنه حجة بمنزلة الوحي المسموع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتج بقوله تعالى: {ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقواها} عرفها بالإيقاع في القلب، وبقوله: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} وشرح الصدر بنور العلم، والحرج بظلمة الجهل فالله تعالى أخبر أنه هو العاجل لذلك بلا واسطة ولا صنع من العبيد.
وبقوله: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا} فالحياة هي العلم، والنور الهدى فالله تعالى أخبر أنه الجاعل بلا صنع منا.
وبقوله: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها} فأخبر أن الناس مخلوقون على الدين الحنيفي بلا صنع منهم.
وقال: {وأوحى ربك إلى النحل} الآية حتى عرفت مصالحها بلا نظر منها فلا ينكر مثله للآدمي.
وقال: {وأوحينا إلى أم موسى} حتى عرفت بلا نظر واستدلال أن حياة موسى في الإلقاء بالبحر ولم يكن ذلك وحيا بملك تكلم بل بالإلهام وعلمت بذلك وكان حقا.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة" أي: على الدين الحق وما للمولود نظر ولا استدلال.
وقال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" وما الفراسة إلا خبر عما يقع في القلب بلا نظر في حجة.