باب
القول في بيان ما أسقط من الحقوق بعذر الصبي رحمة
حق الأداء ساقط بعذر الصبي، أما الأول فأمره للعجز الحقيقي، وفيه الحكمة، وأما بعد ما عقل فللحرج وإنه رحمة وإنه بمنزلة دين على معسر يكون أصل الحق على الغريم، وحتى الأداء إليه ساقط إلى أن ينقضي الأجل الثابت بالعسرة، وحاكى أجلاً ثبت بالنص، ولأن سقوط الخطاب يدل على سقوط، وجب الأداء للحال فإن الوجوب في الذمة لا يوجب الأداء عقيبه بحال ألا ترى من باع عبداً بألف وجبت الألف ولا يجب الأداء إلا بعد الطلب، وكذلك إذا استأجر رجلاً يخيط له قميصاً بدرهم وجب العمل عليه ولا يجد الأداء للحال حتى يطالبه به فكذلك حق الله تعالى علينا.
فإن قيل: أليس لا يحل تأثير المغرب عن أول الوقت، ولا تأخير العصر إلى آخره ولا عن الوقت؟
قلنا: ثبت ذلك بخطاب غير الوجوب عليه بدخول الوقت ألا ترى أن الفقهاء اختلفوا في التأخير بقدر ما ثبت عندهم من أنواع الدلائل مع اتفاقهم على أصل الوجوب بدخول الوقت.
وأما التأخير عن الوقت فتفويت العين الواجب إلى مثله، وتفويت الحق تعدٍ زائد غير ترك الأداء فيحرم وأنه كإتلاف عين للغير عنده، ولهذا لا يأثم الصبي ولا يحاسب، وكذلك إذا استوصف الله تعالى فلم يصف في حال صباه لم يكن كافراً، وهو كفر بعد البلوغ لأن الوصف أداء لفرض الإيمان، ولا أداء عليه حال الصبا، وكذلك إذا لم يستدل بالآيات حتى بقي على جهله كان في حكم المسلمين كالذي لا يعقل.
فإن قيل: إذا أسلمت امرأة الصبي الكافر وهو يعقل الإسلام عرض عليه الإسلام، وإذا أبى فرق بينهما!
قلنا: ذلك السقوط الذي ذكرنا في حق الله تعالى رحمة منه دون حق العبد لأن النظر واجب لخصمه كما وجب له فمتى أسقط عنه الأداء لحق الصبي تضرر به الآخر فلم يسقط، والله أعلم.
فصل في بيان ما سقط من حقوق الله تعالى بأصله
حقوق الله تعالى على الإنسان أربعة:
أ- النظر في الآيات الدالة على الله تعالى.