باب
القول في حين صحة عبارات الصبي شرعاً
لا خلاف أن عباراته فاسدة قبل أن يعقل ويميز لأن الكلام وضع للتمييز بين المسميات ولن يتصور ذلك إلا بعد المعرفة عن عقل، ولهذا لم يتعلق بكلام النائم والمغمى عليه والمجنون حكم، ولا خلاف أنها تصح إذا عقل وميز لوجود شرط الصحة حتى إذا قال: أنا جائع سمع منه، وأطعم أو دعا ربه أثيب عليه وأذكاره في صلاته تصح كما لو كان بالغاً.
وإنما اختلفوا فيما أفسد عليه شرعاً نظراً له ورحمة، كما لا يصح منه فرض العبادات نظراً له؟
قال علماؤنا: عباراته صحيحة في الأصل إلا فيما يضره أو يتوهم لحوق الضرر به.
وقال الشافعي: عباراته فاسدة شرعاً فيما صار مولياً عليه فيها، فأما ما لم يصر مولياً عليه فيها ففاسد فيما يضره صحيح فيما ينفعه.
واحتج بأن الشرع لما جعله مولياً عليه في باب دل على سقوط ولايته في نفسه إذ لو بقيت له لما ثبتت لغيره كما بعد البلوغ فأما ما لم يصر مولياً عليه فيه فباق معه إلا أن الشرع حجزه عن الاستيفاء نظراً له حتى لا يخدع كما سقط عنه الفرض نظراً له فلم يثبت الحجر في حق ما يتمحض نفعاً كما لم ينعدم الشرع في حق نوافل العبادات التي تتمحض نفعاً.
فقال: لا يصح قبوله الهبة لأنه مولى عليه فيها، وكذلك إسلامه وكفره لأنه مولى عليه فيهما، وتصح وصيته بالصدقة لأنه غير مولى عليه فيها وهي نفع محض لأنها تزول إلى خلف له ومتى فسدت الوصية زالت إلى خلف، وإذا وقعت الفرقة بين الأبوين، وقد بلغ سبع سنين خير وعمل باختياره أيهما اختاره لأن له معرفة صحيحة بالذي هو أرق له واختياره ذلك نفع محض والشرع لم يجعله مولياً عليه فيه فإنه لا ولاية لأبيه عليه فيه، وقال: لا تصح عباراته بالبيع لنفسه ولا لغيره لأنه مولى عليه فيها ولا يصح طلاقه وإقراره بالإجماع لأنه ضرر.
ولعلمائنا أن كون الإنسان فاسد العبارة من أعظم النقصان فالآدمي امتاز عن فيره من سائر الحيوانات لصحة العبارة حتى قيل: المرء بأصغريه: قلبه ولسانه.