وكذلك الاستدلال على الله تعالى بآيات الحدوث على ما مر وكذلك بعد البلوغ لأنه لا تفرقه بين الحالين من حيث العقل ألا ترى أن العبادات كما سقطت بعذر الصبا سقطت بعذر الجهل عمن أسلم في دار الحرب، ولم يعلم بالعبادات.
فأما إذا اعتقد إلهاً آخر أو ما يكون كفراً من وصفه ربه بما لا يليق به، فلا يكون معذوراً فيه كالصبي إذا فعل ذلك على ما مر بيانه لأنا إنما عذرناه في جهله لسقوط وجوب الاستدلال عنه، ولا معرفة بدونه كما عذرنا النائم والصبي فاعتقاد أمر لا يكون إلا بضرب استدلال وحجة فلم يعذر فيما أحدث من اعتقاده إلا بحجة كما في حق الصبي، ولهذا صح الاحتجاج من إبراهيم عليه السالم بما استدل قبل الوحي.
والدليل على أنه معذور وأن ترك الاستدلال قول الله تعالى حكاية عن خزنة النار لأهلها: {قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا}.
وفي موضع آخر حكاية عن نفسه: {ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليك ءاياتي} فألزمهم استيجابهم النار بالرسل لا بالعقول وحدها، ثم قال بعد ذلك: {ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} أخبر أن الإهلاك قبل الرسل كان يكون ظلماً وإنهم معذورون بغفلتهم وإن عقلوا لولا تنبيه الرسل.
وقال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} والعذاب المطلق هو النار.
وقال: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} فكان حقاً على الله بعث الرسل لقطع حجة الناس.
وقال: {وإذ أخذ ربك من بني ءادم من ظهورهم} الآية إلى أن قال: {أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك ءاباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون} فلولا أنهم كانوا معذورين بسبب جهلهم وإلا لم يكن قطع الحجة بخطاب {ألست بربكم} ابتداء ثم إعلامهم بذلك انتهاء.
ولأن النفس بهواها غالبة لأنه لا عقل لأول الفطرة وإذا أحدث حدثاً مغلوباً به إلا من شاء الله من الخواص.
وإذا كان مغلوباً بقيت العبرة للراجح وبقي الحكم على ما كان قبل العقل حتى يتأيد العقل بالوحي فيترجح على الهوى حينئذ فيجب العمل فلن يجوز في الحكمة إلزام العمل حساً، والعامل مغلوب بالمانع حساً.
فكذلك لا يحسن إلزام العمل بالحجة والحجة مغلوبة مدفوعة بغيرها.
والجواب عن قولهم: إن الشرع لا يعرف إلا بدليل عقلي فكذل، ولكن إنما يجب