ولم تكن عزة النفس تَحمِلُ ابن حزم على العُجْب والاغترار بعلمه، وما وصل إليه من الفكر الثاقب والذكاء المفرط. ولقد كتب يقول عن آفة العجب التي تدخل على العلماء: "واعلم أن كثيرا من أهل الحرص على العلم يجِدُّون في القراءة والإكباب على الدرس والطلب، ثم لا يُرزقون منه حظا، فليعلم ذو العلم أنه لو كان بالإكباب وحده، لكان غيره فوقه، فصح أنه موهبة من الله تعالى، فأي مكان للعجب هاهنا؟ ! ما هذا إلا موضع تواضع وشكر لله تعالى، واستزادة من نعمه، واستعاذة من سلبها" (١).
ولقد كان ابنُ حزم يذهب في الاعتداد بنفسه، والافتخار بما أوتيه من علم وفضل مذهب المتحدث بفضل الله عليه، الشاكر للمنة، الذاكر للنعمة (٢).
وله في هذا السبيل شعر يروى، منه قوله:
أنا الشمس في جو العلوم منيرة ... ولكنَّ عيبي، أن مَطلَعي الغرب
ولو أنَّني من جانب الشَّرق طالعٌ ... لَجَدَّ ما ضاع من ذِكْري النَّهب
ولي نحو آفاق العراق صبابة ... ولا غرو أن يَستَوْحش الكَلِفُ الصَّب
فإن يُنزل الرحمن رَحلي بينهم ... فحينئذ، يبدو التَّأسُّفُ والكَرْب
فكم قائل أغفلته وهو حاضر ... وأطلب ما عنه تجيء به الكتب
هنالك يدرى أن للبُعْد قصة ... وأن كساد العلم آفته القرب
فيا عجبا من غاب عنهم تشوقوا ... له ودنو المرء من دراهم ذنب
(١) انظر: مداواة النفوس ضمن رسائل ابن حزم (ج ١/ ص ٣٨٨).
(٢) انظر: طوق الحمامة ضمن رسائل ابن حزم (ج ١/ ص ٢٧٢).