وأيضاً: فإن كل واحد من المجمعين إنما قال ما قاله عن دليل صحيح عنده من قياس أو اجتهاد واستدلال، وهو يُجوِّز على نفسه الخطأ فيما أفتى به، فإذا صح له الفساد لدليله، لزمه الرجوع عن قوله واعتقاد غيره، فإذا لزمه الرجوع عما كان عليه لفساد دليله عنده بطل الإِجماع.
فإن قيل: لا يسوغ رجوعه؛ لأنه كان مصيباً في القول، مخطئاً في الدليل.
قيل: إنّما كان على الصواب في قوله؛ لأجل دليله. ألا ترى أنه لو لم 164/أ ، يكن من أهل الأدلة والاجتهاد لم يعتدّ بقوله، فإذا فسد عنده الدليل بطل قوله عن ذلك الدليل.
وأيضاً: فإن الصحابة إذا اختلفت على قولين، فقد أجمعت على تسويغ الخلاف وجواز القول بكل واحد من القولين، وانعقد الإجماع على ذلك، ثم إذا رجعت إحدى الطائفتين إلى قول الأخرى صارت المسألة إجماعاً، وزال ما أجمعوا عليه من تسويغ الخلاف، فلو كان الإِجماع قد انعقد بنفسه من غير اعتبار انقراض العصر، لما جاز رجوعهم عما أجمعوا عليه من تسويغ الخلاف.
وهذه طريقة مفيدة.
فإن قيل: إنما جاز الإجماع بعد الخلاف؛ لأن التابعين لو أجمعوا على أحد القولين صارت المسألة إجماعاً.
قيل: لا يصير إجماعاً عندنا.
واحتج المخالف:
بقوله تعالى: (وَيَتَّبعْ غَيْرَ سَبيل الْمُؤْمِنِينَ) (1) ولم يشترط انقراض العصر.
وقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: (لا تَجْتمعُ أمَّتِي عَلَى ضَلاَلَة) و (لا تجتمعُ عَلَى خطأ) .
والجواب عن قوله: (وَيَتَّبِعْ غيْرَ سَبِيلِ الْمُومِنِينَ) فهو: أنه إذا رجع واحد