فأما إذا لم يكن لأحدهما على الآخر مزية، لم يجز للآخر اتباعه.
والجواب: أنا قد بينَّا مَزِيَّة الصحابي على غيره.
فإن قيل: فيجب إذا استدل الصحابي بدلالة على حكم أن لا يستدل عليه بدلالة أخرى.
قيل: إن اتفقوا على أن لا دليل لله تعالى غيره، لم يجز أن يستدل عليه بدلالة أخرى، وإن لم يتفقوا على ذلك جاز؛ لأنه يجوز أن يخفى عليه دليل؛ لأن عبادتهم القول بحكم الله تعالى، فأما أن يعلموا كلَّ دليل لله تعالى في ذلك أو يظهروه، فإن ذلك غير واجب، وكان تعلق علمهم بالحق ببعض الأدلة يسقط عنهم فرض الاستدلال بكل دليل.
ومن الناس من قال: لا يجوز أن يستدل عليه بدلالة أخرى؛ لأنه (1) دليل الصحابة، فمن طلب دليلاً آخر عليه، فهو كمن طلب المقايسة في مسائل الإجماع وأخبار الآحاد مما هو مقطوع به من العقول، وهذا غير ممتنع على وجه من الترجيح من غير أن يقصد إلى بيان الحكم به بعد ثبوته، لما بينَّا.
فإن قيل: فما تقولون إذا ثبت الحكم لعلة، فهل يجوز للصحابة تعليله بعلة أخرى؟
قيل: يجوز ذلك؛ لأنه يجوز تعليل الأصل بعلتين، كما يستدل على شىء بدليلين، وهذا في علتين إذا كان 178/ب موجبهما واحداً، فأما إذا تنافت فلا يجوز ذلك.
ومن الناس من منع ذلك؛ لأن تعليله بأخرى يبطل فائدة تعليق الحكم بالأولى (2) ، فلا يجوز، كما لا يجوز ذلك في العقليات، وأنه لا يكون حكم (3) العقل معللاً بعلتين.