ْوهذا دليل من قال بالوقف، والكلام يأتي عليه في أدلتهم.
فإن قيل: فالآدمي إنما حُرم ملكُه بغير إذنه لما يلحق فيه من الضرر، ألا ترى أن مالا ضرر عليه فيه، مثل المشي في ضوئه والوقوف في ظله، وما أشبه ذلك أغير محرماً، والله تعالى لا يستضر بالانتفاع بملكه. فلم يحرم تناوله.
وهذا دليل من قال بالإباحة والكلام يأتي عليه في أدلتهم، إن شاء الله تعالى.
فإن قيل: من الأملاك ما يتصرف فيها الغير بغير إذن مالكها، وهو مال الصبي والمجنون وأهل الحرب.
وكذلك 186/ب المضطر إلى مال الغير فإنه يأكل منه بغير إذن مالكه.
قيل: هناك إذن من جهة العقل والشرع.
ودليل آخر وهو: أن تناول ذلك واستباحته ترك للاحتياط وركوب الغرر؛ لأنه يمكن أن يكون على الإباحة فلا يأثم، ولا يحرج، ويمكن أن يكون على الحظر فيكون ملوماً في فعله مأثوماً في تناوله، فإذا أمكن هذا وهذا وجب بدليل العقل الامتناع منه لئلا يركب الحظر والغرر، كمن قيل له: هذا طريق مأمون، وهذا طريق مخوف، وجب بدليل العقل ترك المخوف، وإذا ركبه كان قبحاً في العقل، فكان الاحتياط الترك.
فإن قيل: لا نسلم أن تناولها ترك الاحتياط، بل الاحتياط في الانتفاع بها؛ لأن في ذلك تلف النفس، ونحن ممنوعون من ذلك.
وهذا دليل من قال بالإباحة. والكلام يأتي عليه إن شاء الله تعالى.
فإن قيل: اعتقاد الحظر فيما هو مباح لا يجوز، كما لا يجوز اعتقاد الإباحة فيما هو محظور، فلا يكون لأحدهما في هذا الوجه على الآخر مزية، وحصل للانتفاع بها مزية من جهة أن فيه إحياء النفس.
قيل: قد أجبنا عن هذا السؤال في ترجيح الأخبار بما فيه كفاية (1) .