وتحرير هذه الدلالة: أن العلم بوجوبه، إذا لم يكن من ناحية المعقول، ولا شرع ورد بذلك لم يجز القضاء به.
والجواب: أنا نَقْلِبُ هذا الدليل فنقول: لو كان القول بالقياس باطلاً، لم يخلُ العلم ببطلانه من أن يكون ضرورةً أو استدلالاً.
ولا يمكن ادعاء الضرورة لما يعترينا في بطلانه من الشك، والعقول لا مجال لها في بطلانه.
ولأن نفاة القياس يجوزون أن يتعبد الله تعالى بإلحاق سائر الأضربة المسكرة
بالخمر من طريق القياس، فلو بطل الحكم بالقياس لم يبطل إلا شرعاً، والشرع هو الخبر عن الله تعالى وعن رسوله، ولا خبر بذلك، فلم يجز الحكم ببطلانه.
وجواب آخر: وهو أنا أثبتنا ذلك بالشرع، وقد ظهر ذلك بقوله تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أوْلِى اْلأبصَارِ) (1) وبحديث معاذ، وإجماع الصحابة.
فإن قيل: ما ذكرتموه من الشرع غير معلوم؛ لأنه خبر واحد، فلا يجوز إثبات مسائل الأصول بخبر الواحد.
قيل 200/ب : لم نذكر ما يوجب العلم ويقطع العذر، وإذا لم يكن فيه دليل حال ثبوته بخبر الواحد على أنا قد ذكرنا الآية، وهي مقطوع بها، والخبر الذى ذكرنا متلقى بالقبول، وإجماع الصحابة مقطوع به.
واحتج: بأن، القياس حمل الفرع على الأصل بعلة وشَبَه (2) ، وأجمعوا أن ذلك لا يقف على شهوة المعلل واقتراحه، بل يكون تابعاً للدليل، وليس يخلو الدليل من أن يكون عقلاً أو شرعاً.
والعقل لا يدل على ذلك؛ إذ ليس بعض صفات المعلل أولى بذلك من بعض.