إجماع وجب الاجتهاد في طلب حكمها بالقياس على الأصول، فإذا لم يكن لها شبه إلا بهذين الأصلين، انقطع حكمها عن سواها، ولم يجز أن يعلق حكم الأصلين معاً بها؛ لأنها متناقضة. فلم يكن بُد من إلحاقها بأحدهما، فكان إلحاقها (1) بالأشبه أولى؛ لأنها به أشبه، فغلبنا حكم الأكثر؛ لأن الأصول على هذا، قال الله تعالى: (فَأما مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ في عِيشَةٍ راضِيَةٍ، وَأما مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأمهُ هَاوِيَةٌ) (2) فغلَّب الأكثر.
وكذلك قلنا في الماء المطلق، إذا خالطه مائع طاهر، كالورد، ونحوه: إن كان الغالب الماء، فالحكم له، وإن كان الغالب الورد، فالحكم له.
وكذلك قلنا في الشهادات: إن كان الغالب الطاعات، فهو عدل مقبول الشهادة، وإن كان الأغلب المعاصي، فهو فاسق مردود الشهادة.
وقد قال أحمد - رضي الله عنه - في رواية أحمد بن أبي عبدة في الرجل يكذب: "إن كثُر كذبُه لم يُصل خلفه" (3) .
فأما قولهم: إذا لم يوجد في الفرع أوصاف الأصل بكماله، فليس هناك علة .
والجواب: أنه كذلك، ولكن ألحقنا حكم الحادثة بهذا الأصل، من حيث إنه به أشبه.
فأما أن نقول 203/ب : الوصفان في (4) الفرع علة، فلا نقول هذا.
فإن قيل: فيحكم في الحادثة بغير دليل؟
قيل: يحكم بغير قياس، ولكن بأنه أشبه بهذا الأصل من سائر الأصول.
إذا تقرر هذا، وأن قياس غلبة الشَّبَه حجة، فهو على ضربين: