في سقوط الحد، لم يجز أن يكون له مدخل في إثبات الحدود.
والجواب: أن الشبهة التي أسقطت الحد هناك معدومة هاهنا؛ لأن هناك الشبهة في الفعل أو الفاعل أو المفعول فأسقطت الحد، وهذه الشبهة معدومة في مسألتنا، وأكثر ما فيه أنه دليل غير مقطوع عليه.
وهذا يبطل بإثباته بخبر الواحد؛ لأن ما فيه من تجويز (1) الخطأ والسهو والعمد الكذب، لا يصير شبهة في درء الحد وإسقاط الكفارة.
وكذلك يجوز إثباته بشهادة شاهدين، وما فيها من تجويز ذلك على الشاهدين، لا يكون شبهة في الإسقاط.
ولأنه إذا وجب إلحاقه بأحد الأصلين، لقوته ورجحانه، سقط حكم الأصل الآخر، وكان وجوده كعدمه.
واحتج: بأن الحد حق لله تعالى مقدر كالصلاة والزكاة ونحوها، فلما لم يجز إثبات أعداد الركعات والنصاب في الزكوات بالقياس، كذلك لا يجوز إثبات الحدود به (2) .
والجواب: أنا لو وجدنا معنى القياس جارياً في ذلك الموضع أثبتناه.
واحتج: بأن مقادير العقوبات على الأجرام لا تعلم إلا من طريق التوقيف، لأن العقوبات إنما تستحق على الأجرام بحسب ما يحصل بها من كفران النعمة.
ومعلوم أن مقادير نعم الله تعالى على عباده لا يعلمها (3) إلا الله تعالى، وكان الحد عقوبة مستحقة على الفعل، ولم يكن لنا سبيل إلى معرفة مقدار العقوبة على ذلك الفعل إلا من جهة التوقيف، لمْ يجز له إثبات الحد بالقياس (4) .