قيل: المأذون فيه الحكم، فأما الاجتهاد فغير مأذون فيه؛ لأن الإذن في الحكم ليس بإذن في الاجتهاد.
ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أذن لعمْرو بالقضاء بين يديه أستأذنه في الاجتهاد
بحضرته، فلم يفهم الاجتهاد من الإذن بالقضاء، تبت أن الإِذن بالقضاء ليس بإذن في الاجتهاد.
ولأنه ليس في الاجتهاد بحضرته أكثر من الرجوع إلى غالب الظن مع القدرة على القطع واليقين، وهذا جائز بحضرته؛ لأنه لو كان حاضراً في مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فروى بعضُ الحاضرين عنه خبراً جاز له العمل به، وهو عمل بغالب ظن مع القدرة على القطع واليقين؛ لأنه كان يمكنه أن يرجع فيما أخبره إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليعلمه منه قطعاً.
فلما جاز هذا ولم يرجع فيه إليه، ثبت ما قلناه.
ولأن ما جاز الحكم به في غَيْبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، جاز الحكم به في حضرته كالخبر.
واحتج المخالف:
بأنه لا يجوز الرجوع إلى غالب الظن مع القدرة على القطع واليقين، فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حاضراً فهو قادر على معرفة الحكم من جهته قطعاً، فلا معنى للاجتهاد.
والجواب: أنه باطل بما ذكرناه من قبول خبر الواحد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاضر.
ولأنه إذا اجتهد والنبي حاضر، فإن (1) كان صواباً فذاك، وإن أخطأ لم يقره النبي - صلى الله عليه وسلم -، كمن اجتهد ثم بان له أنه خالف النص.