لأن مغفرة الله تعالى لهم مما يجوز في العقل، ولا يحيلها، ويصح أن يجاب في ذلك: أفتغفر لهم؟، وهذا قبل التوقيف على أن عذابهم غير منقطع.
فإن قيل: فأنتم تثبتون وجوب الغفران بعد السبعين، والخبر يمنع ذلك.
قيل: لو خلينا وظاهر الخبر لقلنا بوجوبه، لكن لما قال تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} 1 نقلنا عن ظاهره.
فإن قيل: عادة العرب في قول القائل: لا أفعل كذا وإن سألتني سبعين مرة، تأكيد للنفي، وهذا لا يخفى على السامع؛ فلم يجز أن يفهم عنه دليل الإثبات.
قيل: قد فهم النبي منه دليل الإثبات بقوله: {لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} ؛ فلولا أن اللفظ يقتضي ذلك لم يسأله.
وجواب آخر وهو: أنه لو كان المراد تكثير الاستغفار؛ لم يحسم الطمع في مغفرتهم، فلما لم يفعل ذلك دل على أنه أراد التقدير والتحذير دون التكثير.
فإن قيل: فهذا الخبر لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حلف أنه يستغفر للكافر، ولو كان قد حلف على ذلك لكان لا بد من أن يفعله؛ لأن في تركه تركًا للوفاء بالعهد، وهو منزه عن ذلك، ولو فعله لكان يجاب دعاؤه، وهذا يؤدي إلى أن الله تعالى يغفر للكافر.
قيل: إنما حلف على ذلك قبل النهي، ثم نهاه عن ذلك بقوله: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} ، وإذا كان كذلك فقد حصل