ويدل عليه قوله تعالى: في قصة إبراهيم: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} 1، علم من ذلك أنهم مهلكون لجميع أهلها، فقال: {إِنَّ فِيهَا لُوطًا} ؛ فأخبرته الملائكة أنهم ينجونه وأهله، واستثنوه من جملة أهل القرية؛ فعلم أن إطلاق اللفظ اقتضى العموم.
فإن قيل: اللفظ يصلح للعموم؛ فلذلك حكم عليه في الآيات التي ذكر فيها.
قيل: لا يجوز حمله عليه بالصلاح له، بل يجب التوقف فيه، ومن فعل ذلك؛ فقد أخطأ عند المخالف، فلا يجوز حمله على الخطأ.
وعلى أن نوحًا عليه السلام قد قطع به بقوله: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} ، والصلاح لا يوجب القطع.
وأما قصة إبراهيم فلا يصلح هذا السؤال فيها أيضًا؛ لأنه لو كان للصلاح؛ لكان الكلام يخرج مخرج الاستفهام والمسألة، فيقول: ألوط فيهم؟ أتهلكونه فيمن يهلكون؟ فلما ذكر لفظ التخيير والتخويف، يعني لا تهلكوهم، فإن فيهم لوطًا؛ علم أنه كان قد عقل من ظاهر اللفظ: أنه مقتضٍ للعموم والشمول.
وأيضًا: فإن المسألة إجماع الصحابة رضي الله عنهم.
من ذلك: أن عمر احتج على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما في منعه من قتال مانعي الزكاة لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إل الله؛ فإذا قالوها؛ عصموا مني دماءهم وأموالهم"؛ فلم ينكر عليه ذلك؛ وإنما عدل إلى الاستثناء،