وإذا كان كذلك وجب أن يكون الجزاء متعلقاً بالشرط، ولهذا نقول: إذا قال: "ما تصنع أصنع، وما أخذه أعطه مثله"، إن الثاني موجب بالأول ومفعول لأجله، وإذا كان كذلك، وجب أن يكون ما يأتي به ناسخاً.
فإن قيل: فلا خلاف أنه يجوز نسخه بغير قرآن، بأن ينسيه الله تعالى من حفظه ورفعه عن أوهامهم.
قيل: ما ينسيه ويرفعه يجرى مجري القرآن، لأنه من جهة الله تعالى.
فإن قيل: قوله تعالى: (نَأْتِ بِخَيْرٍ منْهَا) في النفع، وقد يكون ما ثبت بالسنة أنفع لنا في باب المصلحة مما ثبت بالآية المنسوخة.
يبين صحة هذا أن التلاوة لا يكون بعضها خيراً من بعض، وإنما يكون ذلك في النفع، فيكون بعض الأحكام أسهل.
قيل: الآية تقتضي أن تكون خيراً منها في النفع من القرآن، كما إذا قال القائل: "ما آخذ منك ثوباً إلا أعطك (1) خيراً منه أو مثله، وما آخذ منك درهماً إلا أدفع إليك مثله أو خيراً منه"، يقتضي ثوباً مثل ثوبه أو خيراً منه، ودرهماً مثل درهمه أو خيراً منه.
وجواب آخر وهو: أن قوله: (نأتِ بخير منها أو مثلها) يقتضي الخيرية أو المثلية من كل وجه، والقرآن المنسوخ فيه معجز، فيجب أن يكون الناسخ معجزاً، والسنة ليس فيها معجز، والقرآن في امتثال حكمه ثواب، وفي تلاوته ثواب، وكل واحد منهما عبادة، والسنة: الثواب في جهة واحدة منها، وهو امتثال حكمها، فأما درسها وتلاوتها، فليس بعبادة ولا ثواب، وإذا كان كذلك، لم تكن السنة مثلاً
للقرآن، والآية تقتضي أن النسخ بالمثل أو بخير منه.