وَقَالَ ابْنُ نُعَيْمٍ أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ الزَّاهِدُ , نا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ , وَسُئِلَ , مَتَى تُحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُفْتِيَ قَالَ: «إِذَا كَانَ بَصِيرًا بِالرَّأْيِ , بَصِيرًا بِالْأَثَرِ» قُلْتُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ: قَوِيَّ الِاسْتِنْبَاطِ جَيِّدَ الْمُلَاحَظَةِ , رَصِينَ الْفِكْرِ , صَحِيحَ الِاعْتِبَارِ , صَاحِبَ أَنَاةٍ وَتُؤَدَةٍ , وَأَخًا اسْتَثْبَاتٍ , وَتَرْكِ عَجَلَةٍ , بَصِيرًا بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةٌ , مَسْتَوْقِفًا بِالْمُشَاوَرَةِ , حَافِظًا لِدِينِهِ , مُشْفِقًا عَلَى أَهْلِ مِلَّتِهِ , مُوَاظِبًا عَلَى مُرُوءَتِهِ , حَرِيصًا عَلَى اسْتِطَابَةِ مَأْكَلِهِ , فَإِنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ أَسْبَابِ التَّوْفِيقِ , مُتَوَرِّعًا عَنِ الشُّبُهَاتِ , صَادِفًا عَنْ فَاسِدِ التَّأْوِيلَاتِ , صَلِيبًا فِي الْحَقِّ , دَائِمُ الِاشْتِغَالِ بِمَعَادِنِ الْفَتْوَى , وَطُرُقِ الِاجْتِهَادِ , وَلَا يَكُونُ مِمَّنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْغَفْلَةُ , وَاعْتَوَرَهُ دَوَامُ السَّهَرِ , وَلَا مَوْصُوفًا بِقِلَّةِ الضَّبْطِ , مَنْعُوتًا بِنَقْصِ الْفَهْمِ , مَعْرُوفًا بِالِاخْتِلَالِ , يُجِيبُ بِمَا لَا يَسْنَحُ لَهُ , وَيُفْتِي بِمَا يَخْفَى عَلَيْهِ , وَتَجُوزُ فَتَاوَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ , وَمَنْ لَمْ تُخْرِجْهُ بِدْعَتُهُ إِلَى فِسْقٍ , فَأَمَّا الشُّرَاةُ وَالرَّافِضَةُ الَّذِينَ يَشْتِمُونَ الصَّحَابَةَ , وَيَسُبُّونَ السَّلَفَ الصَّالِحَ , فَإِنَّ فَتَاوِيهُمْ مَرْذُولَةٌ , وَأَقَاوِيلُهُمْ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَفِي مَعْرِفَةِ مَنْ يَصْلُحُ أَنْ يُفْتِيَ تَنْبِيهٌ عَلَى مَنْ لَا تَجُوزُ فَتْوَاهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلُومَ كُلَّهَا أَبَازِيرُ الْفِقْهِ , وَلَيْسَ دُونَ الْفِقْهِ عِلْمٌ إِلَّا