مثال ذلك من الأحكام العقلية: أن الحياة شرط في صحة وجود العلم، فيستحيل أن يوجد العلم مع عدم الحياة.
الخبر: هو الوصف للمُخْبَر عنه.
وتوضيح هذا أن كل خبر فهو وصف للمخبَّر عنه، إما بقيام أو قعود أو مشي أو حياة أو موت أو غنى أو فقر أو غير ذلك. وتتبع هذا يبين صحة ما قلناه.
فكل وصف للموصوف فهو خبر عنه بما يوصف به، والحدّ إذا اطرد وانعكس ولم ينتقض في أحد الوجهين. حكم بصحته.
والكلام على ما حدَّ به سائر المتكلمين الخبر يأتي في نفس الكتاب (١) والذي أورد هذا الحد وأثبته من شيوخنا القاضي أبو جعفر السمناني رحمه اللَّه، وهو أصح ما ورد في ذلك. واللَّه أعلم.
الصدق: الوصف للمُخْبَر عنه على ما هو به.
ومعنى ذلك أن الصدق والكذب من صفات الذي يختص به، فلا يدخل في شيء من أنواع الكلام غيره فكل من وصف شيئًا على ما هو به فهو صادق في خبره، وكل صادق في خبره هو واصف للموصوف على ما هو به، سواء قصد ذلك أو لم يقصده. وكذلك الكذب. قال اللَّه تعالى: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} النحل: الآية ٣٩. وقد تقدم الكلام على باقي ما في الحد من الألفاظ.
التواتر: كل خبر وقع العلم بمخبره ضرورة من جهة الخبر.
لفظة "التواتر" مقتضاها في كلام العرب التتابع والاتصال. فكان هذا الخبر اتصل وتتابع حتى وقع العلم به فمتى بلغ هذا الحد من الاتصال وصف بأنه متواتر، ومتى قصر عنه ولم يبلغه لم يوصف بذلك وإن كان قد تتابع وتواتر.
وهذا بحسب عرف تخاطب أهل الجدل وتواطئهم على هذه الألفاظ وما يريدون بها، وذلك سائغ إذا لم يخرج عن لغة العرب على حسب ما بيناه في الكتاب من حكم الأسماء العرفية.
وقلنا: "بمخبره ضرورة" يقتضي أن العلم الواقع بالخبر المتواتر علم ضرورة على ما يقوله شيوخ أهل الحق لا علم نظر واستدلال على ما يقوله غيرهم.
(١) انظر التمهيد ص ١٦٠.