ومن ذلك أن يبيع الرجل الثوب بمائة دينار إلى شهر، ثم يشتريه من مبتاعه بخمسين دينارًا نقدًا. فهذا قد توصل بالبيع والابتياع إلى أن اقترض خمسين دينارًا نقدًا بمائة دينار إلى شهر. ومثل هذا مما لا خفاء به أن ظاهره الفساد، واللَّه أعلم.
القياس: حمل أحد المعلومين على الآخر في إثبات حكم أو إسقاطه بأمر يجمع بينهما (١).
قولنا: "أحد المعلومين على الآخر "استيعاب للحد، لأنّا لو قلنا: "أحد الموجودين على الآخر" لانتقض بقياس المعدوم على المعدوم. ونريد بـ "حمل أحد المعلومين على الآخر" حمل الفرع على الأصل.
وقولنا: "في إثبات حكم أو إسقاطه" تخصيص للقياس الشرعي المستعمل بين الفقهاء، يتبين أنه تارة يكون لإثبات حكم اتفق على ثبوته في الأصل، فيريد القياس إثبات ذلك الحكم في الفرع بحمله على الأصل. وتارة يكون لإسقاط حكم اتفق على إسقاطه أو انتفائه من الأصل، فيريد إلحاق الفرع به في ذلك.
الأصل: -عند الفقهاء-: ما قيس عليه الفرع بصلة مستنبطة منه.
ومعنى ذلك أن ما ثبت فيه الحكم باتفاق هو أصل لما اختلف في ثبوته فيه وانتفائه عنه.
وذلك مثل قولنا: "النبيذ المسكن حرام، لأنه شراب يدعو كثيره إلى الفجور، فوجب أن يكون قليله حرام. أصل ذلك الخمر.
فقلنا إن الخمر أصل هذا القياس للاتفاق على ثبوت هذا الحكم لها، وقلنا إن النبيذ المسكر فرع، لأنه مختلف فيه. ونريد بهذا القياس أن نتوصل إلى إثبات حكمه. فلما كان التحريم ثابتًا في الخمر بأن كثيرها يدعو إلى الفجور، وهو معنى قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١)} المائدة: الآية ٩١. كانت الخمر محرمة لهذا المعنى. و لما كان المعنى موجودًا في النبيذ المسكر، واختلف العلماء في حكمه، كان فرعًا وجب إلحاقه به.
وقولنا: "بصلة مستنبطة منه" نريد من الأصل. ذلك أن القياس لا يصح إلا بعلة تجمع بين الفرع والأصل يدل الدليل على أن الحكم ثبت في الأصل لتلك العلة،
(١) انظر مفتاح الوصول ص ١٥٨.