يَأْخُذُونَ بالمتأخير ويتركون الْمُتَقَدّم ثمَّ يحمل مَا رَوَاهُ على لفظين لَا يُمكن استعمالهما فَيُؤْخَذ بالأحدث مِنْهُمَا
قَالُوا وَلِأَنَّهُمَا لفظان متعارضان فنسخ الأول مِنْهُمَا بِالثَّانِي كالنصين
قُلْنَا الْمَعْنى فِي النصين أَنه لَا يُمكن الْجمع بَينهمَا فنسخ الأول مِنْهُمَا بِالثَّانِي وَفِي مَسْأَلَتنَا يُمكن الْجمع بَينهمَا فَلَا يجوز إِسْقَاط أَحدهمَا بِالْآخرِ
قَالُوا وَلِأَن الْعَام إِذا تنَاول الْجِنْس لعمومه كَانَ كعدة أَلْفَاظ يتَنَاوَل كل وَاحِد مِنْهُمَا وَاحِدًا من الْجِنْس ثمَّ ثَبت أَن مَا ورد اللَّفْظ بِهِ خَاصّا فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا إِذا تقدم ثمَّ ورد مَا يُخَالِفهُ بِأَلْفَاظ خَاصَّة نسخه كَذَلِك إِذا ورد اللَّفْظ الْخَاص ثمَّ ورد عَام يُخَالِفهُ وَجب أَن ينسخه
قُلْنَا لَو كَانَ جمع الْجِنْس بِلَفْظ وَاحِد كإفراد كل وَاحِد مِنْهُ بِلَفْظ يَخُصُّهُ كَانَ جمعه بِلَفْظ كإفراد كل وَاحِد مِنْهُمَا بِلَفْظ فِي الْمَنْع من التَّخْصِيص بِالْقِيَاسِ وَلما بَطل هَذَا بِإِجْمَاع بَطل مَا قَالُوهُ
وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ جمع الْجِنْس بِلَفْظ عَام كإفراد كل وَاحِد مِنْهُ بِلَفْظ خَاص لَكَانَ لَا يجوز وُرُود لفظ عَام مُخَالفا لدَلِيل الْعقل كَمَا لَا يجوز أَن يرد لفظ خَاص يُخَالف دَلِيل الْعقل
وَلِأَنَّهُ إِذا وَردت بِهِ أَلْفَاظ مُفْردَة لم يكن الْجمع بَينهَا وَبَين مَا يعارضها فَوَجَبَ نسخ الْمُتَقَدّم بالمتأخر وَلَيْسَ كَذَلِك هَاهُنَا فَإِنَّهُ إِذا ورد اللَّفْظ عَاما أمكن الْجمع بَينه وَبَين مَا يُعَارضهُ فَبنِي أَحدهمَا على الآخر
قَالُوا وَلِأَنَّهُ الْخَاص إِذا تقدم على الْعَام كَانَ ذَلِك بَيَانا للعام بعده على قَوْلكُم وَالْبَيَان لَا يجوز أَن يتَقَدَّم على الْمُبين كَمَا لَا يجوز أَن يتَقَدَّم التَّفْسِير على الْمُفَسّر وَالِاسْتِثْنَاء على الْجُمْلَة
قُلْنَا لَا يمْتَنع أَن يكون بَيَانا ويتقدم على الْمُبين كَمَا نقُول فِي أَدِلَّة الْعقل يخص بهَا الْعُمُوم وَيبين بهَا وَإِن كَانَت مُتَقَدّمَة عَلَيْهِ
على أَنه يجوز أَن يَجْعَل الشَّيْء بَيَانا لما يرد بعده من الْأَلْفَاظ أَلا ترى أَنه