وَيدل عَلَيْهِ أَن السَّيِّد من الْعَرَب إِذا قَالَ لعَبْدِهِ اسْقِنِي مَاء فَلم يسقه اسْتحق التوبيخ واللوم بِإِجْمَاع عقلاء أهل اللِّسَان وَلَو لم يقتض الْأَمر الْإِيجَاب لما حسن لومه وتوبيخه
فَإِن قيل إِنَّمَا اسْتحق اللوم لِأَنَّهُ قد اقْترن بِالْأَمر مَا اقْتضى الْإِيجَاب من شَاهد الْحَال
قُلْنَا لم يُوجد أَكثر من مُجَرّد الصِّيغَة فَدلَّ على أَن اللوم تعلق بمخالفتها
وَأَيْضًا فَإِن أهل اللِّسَان فرقوا بَين السُّؤَال وَالْأَمر فَقَالُوا إِذا قَالَ لمن هُوَ دونه افْعَل أَن هَذَا أَمر وَإِذا قَالَ لمن هُوَ فَوْقه افْعَل قَالُوا هَذَا سُؤال وَلَو كَانَ الْأَمر لَا يَقْتَضِي الْوُجُوب لم يكن لهَذَا الْفرق معنى
وَالَّذِي يدل على إبِْطَال قَول الْمُعْتَزلَة خَاصَّة أَن الْمنْهِي يَقْتَضِي ترك الْمنْهِي عَنهُ على سَبِيل الْوُجُوب فَكَذَلِك الْأَمر يجب أَن يَقْتَضِي فعل الْمَأْمُور بِهِ على سَبِيل الْوُجُوب لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا أَمر إِلَّا أَن أَحدهمَا أَمر بِالْفِعْلِ وَالْآخر أَمر أَمر بِالتّرْكِ
فَإِن قيل النَّهْي عندنَا لَا يَقْتَضِي وجوب ترك الْمنْهِي عَنهُ بِنَفسِهِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي كَرَاهِيَة الْمنْهِي عَنهُ كَمَا أَن الْأَمر يَقْتَضِي إِرَادَة الْمَأْمُور بِهِ غير أَن الْكَرَاهِيَة من الْحَكِيم تَقْتَضِي قبح الْمنْهِي عَنهُ فَوَجَبَ تَركه والإرادة تَقْتَضِي حسن الْمَأْمُور بِهِ من الْحَكِيم وَالْحسن قد يكون وَاجِبا وَقد يكون نفلا فَلم يجب فعله
وَالْجَوَاب أَن الْحَكِيم قد يكره الشَّيْء كَرَاهَة تَنْزِيه وَهُوَ أَن يكون تَركه أولى من فعله وَلَا يكون قبيحا كنهيه عَن الِالْتِفَات فِي الصَّلَاة وَغير ذَلِك مِمَّا يكره