وَأما إِذا قَالَ اقْتُلُوا الْمُسلمين وَالْمرَاد بِهِ الْمُشْركين وَقومُوا وَالْمرَاد بِهِ اقعدوا فَإِنَّمَا لم يجز لِأَن أحد هذَيْن اللَّفْظَيْنِ لَا يسْتَعْمل فِي مَوضِع الآخر بِوَجْه من وُجُوه الِاسْتِعْمَال لَا على وَجه الْحَقِيقَة وَلَا على وَجه الْمجَاز وَالْخطاب بِأَحَدِهِمَا فِي مَوضِع الآخر خَارج عَن أَقسَام كَلَامهم وَلَيْسَ كَذَلِك الْعَام الْمَخْصُوص والمجمل المفتقر إِلَى الْبَيَان فَإِنَّهُ مُعْتَاد فِي كَلَامهم جَار فِي خطابهم فَافْتَرقَا
قَالُوا وَلِأَنَّهُ إِذا أخر الْبَيَان لم يدل الْكَلَام على الْمَقْصُود وَلَا يجوز أَن يُخَاطب بِشَيْء وَلَا يدل على الْمَقْصُود بِهِ كَمَا لَو خَاطب الْعَرَبِيّ بالعجمية والفارسي بالتركية
قُلْنَا هَذَا يبطل بِهِ إِذا أطلق الْخطاب وَلم يبين وَقت النّسخ فَإِنَّهُ لم يدل على الْمَقْصُود وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُ يجوز
وَأما خطاب الْعَرَبِيّ بالعجمية والفارسي بالتركية فَهُوَ حجَّة عَلَيْهِم لِأَن الله تَعَالَى خَاطب الْعَجم بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِن لم يدلهم على الْمَقْصُود حَال الْخطاب فَيجب أَن يجوز بِالْعَام والمجمل وَإِن لم يدل فيهمَا على الْمَقْصُود
قَالُوا وَلِأَن الْمُجْمل إِذا تَأَخّر بَيَانه لم يفد شَيْئا فَصَارَ كالخطاب بِلَفْظ مهمل
قُلْنَا لَا نسلم أَنه لَا يُفِيد شَيْئا بل يُفِيد فَائِدَة صَحِيحَة
أَلا ترى أَن الْعَرَبِيّ إِذا سمع قَوْله تَعَالَى {وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} عقل من ذَلِك تعلق حق بالزرع فِي يَوْم الْحَصاد وَإِن لم يعرف جنسه وَقدره وَيُخَالف اللَّفْظ المهمل فَإِنَّهُ لَا يُفِيد معنى أصلا فَلم يجز الْخطاب بِهِ
قَالُوا لَو جَازَ تَأْخِير الْبَيَان لجَاز للرسول عَلَيْهِ السَّلَام تَأْخِير الْبَلَاغ عَن الله تَعَالَى وَقد أمره الله بالتبليغ فَقَالَ {بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته}
وَالْجَوَاب أَن عندنَا تَأْخِير الْبَلَاغ جَائِز وَالْأَمر الْوَارِد فِي ذَلِك لَا يَقْتَضِي الْفَوْر بِإِطْلَاقِهِ