وَالْجَوَاب أَنا نحمل الْفَرْع على الأَصْل إِذا اتفقَا على عِلّة الحكم وَمَتى حصل الِاتِّفَاق فِي الْعلَّة لم يُؤثر افتراقهما فِي غَيرهَا كَمَا إِذا اتّفق شَيْئَانِ فِي العقليات فِي عِلّة الحكم وَجب الْجمع بَينهمَا وَإِن افْتَرقَا فِي كثير من الْأَشْيَاء
قَالُوا وَلِأَن أَكثر مَا تدعون أَن تثبت لكم الْعلَّة الَّتِي تعلق بهَا الحكم فِي الْمَنْصُوص وَثُبُوت ذَلِك لَا يُوجب قِيَاس غَيره عَلَيْهِ حَتَّى يرد الدَّلِيل بِالْقِيَاسِ
أَلا ترى أَن رجلا لَو قَالَ أعتقت فلَانا لِأَنَّهُ أسود لم يجب عتق كل عبد لَهُ أسود
قُلْنَا إِذا ثَبت وجوب الْقيَاس فِي الْجُمْلَة وَعرف عِلّة الحكم لم يفْتَقر فِي كل مَسْأَلَة إِلَى دَلِيل يدل على الْقيَاس كَمَا إِذا ثَبت وجود الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد لم يفْتَقر فِي كل مَسْأَلَة إِلَى دَلِيل يدل على وجوب الْعَمَل بِهِ
وَيُخَالف هَذَا مَا ذَكرُوهُ من قَول الرجل أعتقت فلَانا لِأَنَّهُ أسود لِأَنَّهُ تجوز عَلَيْهِ المناقضة فَجَاز أَن يُنَاقض فِي علته وَصَاحب الشَّرْع لَا تجوز عَلَيْهِ المناقضة فَإِذا وجدت علته وَجب أَن تطرد
قَالُوا وَلِأَن الْأَحْكَام مَأْخُوذَة من صَاحب الشَّرْع وَهُوَ إِنَّمَا خاطبنا بلغَة الْعَرَب وَالْعرب لَا تعقل من الْخطاب إِلَّا مَا دلّ عَلَيْهِ اللَّفْظ فَأَما الْمعَانِي والعلل فَلَا تعقلها فَيجب أَن يكون الحكم مَقْصُورا على مَا يَقْتَضِيهِ الْخطاب
قُلْنَا لعمري إِن الْأَحْكَام مَأْخُوذَة من صَاحب الشَّرْع وَأَنه خاطبنا بلغَة الْعَرَب غير أَنا لَا نسلم أَن الْعَرَب لَا تعرف من اللَّفْظ إِلَّا مَا دلّ عَلَيْهِ صَرِيحه بل تعرف مَا يدل عَلَيْهِ اللَّفْظ مرّة بِالصَّرِيحِ وَمرَّة بالتنبيه وكل ذَلِك تعرفه وَلِهَذَا إِذا قَالَ لغيره إياك أَن تكلم فلَانا عقل مِنْهُ الْمَنْع من ضربه
قَالُوا الْقيَاس إِنَّمَا يُرَاد عنْدكُمْ ليعلم بِهِ حكم مَا لَا يعلم بِغَيْرِهِ وَلَيْسَ عندنَا مَسْأَلَة إِلَّا وَحكمهَا مَعْلُوم من جِهَة النَّص فَلَا يحْتَاج إِلَى الْقيَاس