بالحظر أَو بِالْإِبَاحَةِ جعل ذَلِك حكما يُوجب بِالْعقلِ فيستحيل أَن يرد الشَّرْع بِمَا يُخَالِفهُ وَلَيْسَ كَذَلِك من قَالَ بِالْوَقْفِ بِعَدَمِ الدَّلِيل الْمُقْتَضِي للحظر أَو الْإِبَاحَة وَالْوَقْف بِعَدَمِ الدَّلِيل يجوز أَن يرد عَلَيْهِ مَا يزِيل الْوَقْف بالكشف عَن الدَّلِيل
وَأَيْضًا إِن الشَّرْع ورد أَيْضا بِتَحْرِيم أَشْيَاء وَتَحْلِيل أَشْيَاء فَلَو كَانَ الأَصْل فِي الْأَشْيَاء قبل وُرُود الشَّرْع الْحَظْر لما ورد الشَّرْع بِالْإِبَاحَةِ لِأَن الْحَظْر مَعْلُوم بِالْعقلِ فَلَو كَانَت الْأَشْيَاء فِي الأَصْل على الْإِبَاحَة لما ورد الِاتِّبَاع إِلَّا بالحظر لِأَن الْإِبَاحَة مَعْلُومَة بِالْعقلِ وَلما ورد الشَّرْع بالحظر مرّة وبالإباحة أُخْرَى دلّ على أَن الْعقل مَا أوجب حظرا وَلَا إِبَاحَة يدل على ذَلِك أَن من قَالَ الأَصْل فِي الْأَشْيَاء الْحَظْر لَا ينْفَصل عَمَّن قَالَ إِن الأَصْل فِيهَا الْإِبَاحَة وَإِذا عَارض أحد الْقَوْلَيْنِ الآخر بَطل الْجمع وَصَحَّ القَوْل بِالْوَقْفِ
وَاحْتج من قَالَ بالحظر أَن هَذِه الْأَعْيَان ملك الله تَعَالَى وَالِانْتِفَاع بِملك الْغَيْر لَا يجوز بِغَيْر إِذْنه كَمَا نقُول فِي أَمْلَاك الْآدَمِيّين
وَالْجَوَاب أَن أَمْلَاك الْآدَمِيّين إِنَّمَا لم يجز الِانْتِفَاع بهَا بِالشَّرْعِ وكلامنا فِيمَا لم يرد الشَّرْع بِهِ فَتكون مَنْزِلَته من أَمْوَال الْآدَمِيّين قبل أَن يرد الشَّرْع فَنَقُول إِنَّهَا على الْوَقْف
وَلِأَن أَمْلَاك الْآدَمِيّين حجَّة عَلَيْهِم فَإِن مَا لَا ضَرَر على الْمَالِك فِيهِ لَا يمْنَع من الِانْتِفَاع بِهِ كالاستظلال بظله والأنس بِصُحْبَتِهِ والمسير فِي ضوء سراجه فَيجب أَن لَا يحرم هَا هُنَا الِانْتِفَاع بِمَا هُوَ لله عز وَجل من الْأَعْيَان لِأَنَّهُ لَا ضَرَر عَلَيْهِ فِي الِانْتِفَاع بهَا وَفِي هَذَا إبِْطَال قَوْلهم
ثمَّ نقُول إِن كَانَ الِانْتِفَاع بِهَذِهِ الْأَعْيَان لَا يجوز لِأَنَّهَا لله تَعَالَى فَلَا يجوز الْإِقْدَام عَلَيْهَا من غير إِذن اعْتِبَارا بأملاك الْآدَمِيّين وَالنَّاس عبيد الله تَعَالَى فَيجب أَن لَا يمنعوا من الِانْتِفَاع بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ لصلاح أبدانهم وأحوالهم اعْتِبَارا بعبيد الْآدَمِيّين حِين لم يمنعوا من الِانْتِفَاع بِمَال الموَالِي بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ لصلاح أبدانهم