وإن تحقق استبهام الحال على الشارع صلى الله عليه وسلم وصح مع ذلك أنه أرسل جوابه فهذا يقتضي لا محالة جريان الحكم على التفاصيل واسترساله على الأحوال كلها ولكنا لا نتبين في كل حكاية تنقل إلينا أنها كانت مبهمة في حق الرسول وجوابه المطلق كان مرتبا على استبهامها فمن هذه الجهة لا يبقى مستمسك في محاولة التعميم وادعاء قصد ظهوره في حكايات الأحوال المرسلة.
ولكن وجه الدليل مع هذا واضح في قضية غيلان1 فإنه صلى الله عليه وسلم قال له2: "أمسك أربعا" فأجملهن ولم يخصص الإمساك بالأوائل عن الأواخر وفوض الأمر فيه إلى خيرة من كان أسلم.
وقال لفيروز الديلمى وقد أسلم على أختين, "اختر أيتهما شئت وفارق الأخرى".
250- ثم نقل أصحاب المقالات عن أبي حنيفة أنه عمم أمورا لا يصير إلى تعميمها شاد في الأصول فضلا عمن يتشوف إلى التحقيق فمنها أنه قال إذا روى الراوي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى في كذا بكذا اقتضى ذلك عموم القضاء في غير المحل المنقول مثل ما روى أنه قضى بالكفارة على من جامع في نهار رمضان وزعم أبو حنيفة أن هذا يعم كل إفطار وهذا إن قاله تلقيا من اللفظ ومقتضى مساق الكلام فهو خرق بين وإن قاله قياسا فمسلك القياس غير مردود على الجملة.
وقد قال الشافعي فيما نقله الرواة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قضى في الأموال بالشاهد واليمين فهذه الحجة تختص بمحلها كما نقلت واللفظ لا يشعر بعمومه والأقيسة لا جريان لها في مراتب البينات فإنها مستندة إلى التعبدات.
مسألة في أقل الجمع:
251- قد اضطرب رأي العلماء في ذلك فذهب ذاهبون إلى أن أقل الجمع ثلاثة وهذا المذهب يعزى إلى ابن عباس وابن مسعود ولم ينقل عنهما تنصيص على ذلك ولكن تبين مذهب ابن عباس بمصيره إلى أن الأخوين لا يحجبان الأم من الثلث إلى السدس لأن المذكور في كتاب الله تعالى الإخوة وظهر للناقلين مذهب ابن مسعود من مصيره إلى أن الثلاثة إذا اقتدوا برجل اصطفوا خلفه وإن اقتدى رجلان برجل وقف أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره ولا يصطفان وراء الإمام.