النساء وإنما غرهم ما طرق مسامعهم من قول بعض العرب من ومنه ومنان ومنون ومنات قال الشاعر1:
أتوا ناري فقلت منون2 أنتم؟
... فقالوا: الجن قلت: عموا3 ظلاما.
وهذا قول الأغبياء الذين لم يعقلوا من حقائق اللسان والأصول شيئا.
ولا خلاف أن من إذا أطلق مبهما شرطا لم يختص بذكر أو أنثى جمع أو وحدان وهذا مستمر في الألفاظ الشرعية وألفاظ المتصرفين في الحلول والعقود والأيمان والتعليقات وهو الجاري في تفاهم ذوي العادات متفق عليه في وضع اللغات فإذا قال القائل: من دخل الدار من أرقائي فهو حر لم يتخصص بالعبيد الذكور وكذلك لو أوصى بهذه الصيغة أو ناط بها توكيلا أو إذنا في قضية من القضايا.
262- ثم للعرب مذهبان شائعان فمنهم من يكني عن معنى من ومنهم من يرد الكناية إلى لفظه وهما جاريان في التنزيل قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} 4 وقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} 5 فكذلك القول في التذكير والتأنيث فهذا مما لا يبدي المراء فيه إلا غبي.
وأما ما اغتر به هؤلاء من قول بعضهم: من ومنان فهذا من شواذ اللغة وليس من ظاهر كلام العرب وإنما أورده سيبويه في باب الحكاية وبناء على محاكاة الخطاب فإذا قال القائل: جاء رجل قلت: من؟ وإذا قال: جاء رجلان قلت: منا؟ وإذا قال: أقبل رجال, قلت: منون؟ وإذا قال: أقبلت امرأة قلت: مَنَه؟ وكذلك منتان ومنات ثم ما ذكرناه ليس باللغة الغالبة في باب الحكاية أيضا.
والقول الجامع في هذا أن ما ذكروه وإن ساغ فالأفصح غيره فليس شرطا معتبرا في تمييز الذكور والإناث بل هو مما نطق به الناطقون والقانون المتفق عليه ما ذكرناه.