قبل أن يبعثه الله نبيا وهذا ترجع فائدته وعائدته إلى ما يجرى مجرى التواريخ ولكن مأخذه الأصول كما سنبين الآن.
418- فذهبت المعتزلة إلى أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن على اتباع نبي ولكن على شريعة العقل في اجتناب القبائح وإتيان المحاسن العقلية وزعموا أنه لو عهد متبعا قط لكان في ذلك غميزة فيه لما بعث نبيا.
وهذا كلام مستندة أصلان باطلان أحدهما القول بشريعة العقل وقد أبطلناه والثاني أن ما ادعوه من إفضاء اتباعه إلى منقصة في منصبه فهذا قد تكرر منهم مرارا ووضح سقوطه.
419- وذهب ذاهبون إلى أنه كان على شريعة إبراهيم عليه السلام كما قدمناه في المسألة السابقة وقد أوضحنا أنها واردة في التوحيد والتمسك بها في هذه المسألة ليس بشيء قطعي وغاية ما يسلم لهم ظاهر معرض للتأويل وقد تقرر أن الظواهر لا يسوغ التمسك بها في محاولة القطعيات ثم يعارضها قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} 1.
420- وذهب ذاهبون إلى أنه كان على شرع نوح لهذه الآية فإن تعلق بها صاحب هذا المذهب فأية إبراهيم تعارضها.
421- وصار طائفة ممن ينتمي إلى التحقيق إلى أنه كان على شريعة عيسى فإنها آخر الشرائع قبل شريعة المصطفى وكان الخلق عامة مكلفين بها وكان الرسول صلى الله عليه وسلم من المكلفين.
وهذا غير سديد من جهة أنه لم يثبت عندنا أن عيسى عليه السلام كان مبعوثا إلى الناس كافة ولو ثبت ابتعاثه إليه فقد كانت شريعته دارسة الأعلام مؤذنة بالانصرام والشرائع إذا درست سقط التكليف بها.
422- وقال القاضي لم يكن عليه السلام على شرع وقطع بهذا ولكنه لم يأخذه من مأخذ المعتزلة حيث أحالوا ذلك عقلا بل القاضي قطع بجواز ذلك في العقل ولكن متعلقة فيما صار إليه أنه عليه السلام لو كان على ملة لاقتضى العرف ذكره لها لما بعث نبيا ولتحدث بذلك أحد في زمانه وبعده فإن الأمر ظاهر لا.