433- ومن تأويلاتهم أنهم يحملون لفظ الرسول على الأمة وزعموا أنه لا يمتنع تسمية الأمة امرأة كما لا يمتنع تسمية السيد وليا ورد ذلك عليهم بوجهين أحدهما أنه نكاح صحيح موقوف كما ذكرنا في الصغيرة ومنتهى الكلام فيه كما سبق والثاني: أنه عليه السلام قال: "فإن مسها فلها المهر", ومهر الأمة لمولاها.
434- وزعم من يدعي التحقيق والتحذق من متأخريهم أن الحديث محمول على المكاتبة واستفادوا بالحمل عليها على زعمهم استحقاقها المهر ثم الأمر عند هؤلاء قريب في حمل المرأة على الأمة والولي على المولى ومن هذا المنتهى منشأ مقصود المسألة.
435- ذهب معظم الفقهاء من أصحابنا وغيرهم إلى أن هذا الصنف من التأويل مقبول.
436- وقال القاضي: هو مردود قطعا وعزا هذا المذهب إلى الشافعي قائلا: إنه على علو قدره كان لا يخفى عليه هذه الجهات في التأويلات وقد رأى الاعتصام بحديث عائشة اعتصاما بنص وقدمه على الأقيسة الجلية وكان ذلك شاهد عدل في أنه رضي الله عنه كان لا يرى التعلق بأمثال هذه المحامل.
ومجموع ما نوضح به هذه المسألة طرق نعددها.
437- الأولى: أنه عليه السلام ذكر أعم الألفاظ إذ أدوات الشرط من أعم الصيغ وأعمها ما ووأي فإذا فرض الجمع بينهما كان بالغا في محاولة التعميم وقرائن الأحوال متقبلة عند الكافة فإذا قال من ظهرت به مخايل الضجر لمرضه أو إلمام مهم به لبوابه لا تدخل على أحدا فلو أدخل البواب كل ثقيل ولم يدخل أقواما مخصوصين زاعما أني حملت لفظك على الذين منعته لم يقبل ذلك منه.
فإذا ابتدأ الرسول عليه السلام حكما ولم يجره جوابا عن سؤال ولم يضفه إلى حكاية حال ولم يصدر منه حلا للإعضال والإشكال في بعض المحال بل قال مبتدئا وإليه ابتداء الشرع بأمر الله وشرح ما أعضل من كتاب الله: "أيما امرأة" فانتحى أعم الصيغ وظهر من حاله قصده تأسيس الشرع بقرائن بينة فمن ظن والحالة هذه أنه أراد المكاتبة على حيالها دون الحرائر اللواتي هن الغالبات والمقصودات فقد قال محالا ولا يكاد يخفى أن الفصيح إذا أراد بيان خاص شاذ.