تختلف مبانيه لأدنى تغيير في معانيه وترى العرب المسح قريبا من الغسل فإن كل واحد منهما إمساس العضو ماء فإذا جرى في الكلام عطف مقتضاه التشريك وتقارب المعنيان لم يبعد إتباع اللفظ, اللفظ وهو كقول قائهم:
ولقد رأيتك في الوغى متلقدا سيفا ورمحا
والرمح يعتقل ويتأبط ولا يتقلد ولكن التقلد والاعتقال حملان قريبان وهو مسكوت عنه في المعطوف فسهل احتماله ومنه قول الآخر1:
فعلا فروع الأيهقان وأطفلت
... بالجهلتين ظباؤها ونعامها.
قال سيبويه2: وهذا الذي ذكرناه وجه لا يخرج الكلام عن أساليب البلاغة والجزالة وتبسط المتكلم واسحنفاره وعدم انصرافه عن استرساله في التفاصيل أحسن وأبلغ من خرم اتساق الكلام لدقائق في المعاني لا تحتفل بها العرب ثم عضد ما قاله بأن قال ذكر الرب تعالى فرض الرجلين ذكره فرض اليدين وربط منتهى الغرض في الرجلين بالكعبين ربطه واجب منتهى فرض اليدين بالمرفقين ومن يكتفي بالمسح فلا معنى لذكر الكعبين عنده وهذا راجع إلى إطباق حملة الشريعة قبل ظهور الاراء على غسل الرجلين ولما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين الوضوء غسل رجليه فاجتماع هذه الأمور في القرآن والسنة وفعل السلف أظهر من الجريان على ما يقتضيه ظاهر العطف.
474- ومآل الكلام في المسألة راجع إلى أن من حمل كلام الشارع على وجه ركيك من غير ضرورة مخققه ولا قافية مضيقة جره ذلك إلى نسبة الشارع إلى الجهل باختيار فصيح الكلام أو إلى ارتياد الركيك من غير غرض وكلا الوجهين باطل.
475- فإن قيل بناء فعالل و فعاليل مما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة وصرفه معدود من ضرورات الشعر وفي القرآن قراءات عصبة من القراء سلاسلا وأغلالا وقواريرا فما وجه صرف ذلك وليس صرفه مسوغا في سعة الكلام.