ونرسم المسائل أولا ونذكر ما فيها ونجرى في أثنائها ما يتعلق بحكاية المذاهب ثم إذا نجز الفن ختمناه بضابط يسهل التناول ويبين صور الخلاف والوفاق.
مسألة:
645- إذا قال واحد في شهود علماء العصر فكان ذلك القول موافقا لبعض مذاهب العلماء في محل الاجتهاد ومسلك الظن فسكت العلماء عليه ولم يبدوا نكيرا على القائل فهو يكون تركهم النكير تقريرا نازلا منزلة إبداء الموافقة قولا.
اختلف الأصوليون في ذلك فظاهر مذهب الشافعي وهو الذي يميل إليه كلام القاضي أن ذلك لا يكون إجماعا.
والذي مال إليه أصحاب أبي حنيفة أنه إجماع وهو اختيار الأستاذ أبي إسحاق فنذكر ما تمسك به أصحاب أبي حنيفة ونتتبعه ثم نذكر المختار عندنا.
فإن قالوا: أهل الإجماع معصومون عن الزلل والعصمة واجبة لهم كما تجب للبني ثم إذا رأى النبي مكلفا يقول قولا متعلقا بأحكام الشرع فسكت عنه ولم ينهه كان ذلك تقريرا منه نازلا منزلة التصريح بالتصديق وإبداء الوفاق.
وهذا الذي ذكروه لا حاصل له فإنه أولا محاولة إثبات الإجماع بطريق القياس وهذا ما لا سبيل إليه فإن الأقيسة المظنونة لا مساغ لها في القطعيات وغاية هذا الكلام تشبيه صورة بصورة وقياس حالة من قوم على حالة من الشارع عليه السلام.
والذي يوضح فساد هذا المسلك: أنه لا يمتنع في مقتضى العقل ورود التعبد باعتقاد تقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم شرعا مع التعبد بالعلم بأن سكوت العلماء لا ينزل منزلة تصريحهم بالقول فإذا لم يكن هذا ممتنعا في حكم العقل ولم يقم دليل قاطع سمعي على تنزيل سكوت العلماء منزلة سكوت الشارع عليه السلام فقد فسد هذا الاعتبار وال حاصلة إلى محاولة إثبات مقطوع به بمسلك هو في مجرى مظنون ثم لا عذر للشارع في السكوت على الباطل فإن الحق عتيد عنده وإن لم يكن فتلقى وجه الحق من مورد الوحي الذي هو بمر صاده هين عليه فأما أهل الإجماع إذا سكتوا في محل ظن حيث يرون للاجتهاد مساغا ومضطربا فسكوتهم محمول على تسويغ ذلك القول لذلك القائل فلاح الفرق مع الاستغناء عنه فإن القطعي لا ينتظم فيه جمع فيحوج إلى الفرق.