مسألة: في حكم اشتراط العكس في علة القياس .
806- ذهب بعض المنتمين إلى الأصول إلى أن الانعكاس لا بد منه في العلل وإن كانت مظنونة وذهب الجماهير إلى أن الانعكاس ليس شرطا في العلل السمعية المظنونة ونحن نورد ما لكل فريق ثم نوضح الحق والمقام الذي تشعبت منه الاراء فأما من شرط العكس فقد يأتي بأمر لفظي لا حاصل له ويقول العلل وإن كانت مظنونة فينبعي أن تكون على مضاهاة العلل العقلية القطعية حتى لا يفترقا إلا في كون أحداهما مظنونة والآخرى مقطوعا بها ثم العلل العقلية يجب انعكاسها فلتكن السمعية كذلك وهذا ساقط لا أصل له ولولا الوفاء بإيفاء ما ذكر في هذا المجموع وإلا كنا لا نذكر أمثال ذلك.
فنقول لهؤلاء: العلل العقلية لا حقيقة لها ومن طلب الإحاطة بذلك فهو محال على دقيق الكلام في العلة والمعلول ثم يقال لهم ما يسمى علة سمعية فهي أمارة في مسلك الظن وحقها أن تقابل بالأدلة العقلية ثم الأدلة العقلية إذا اقتضت في ثبوتها مدلولاتها لم يقتض انتفاؤها انتفاء مدلولاتها كالفعل إذا دل على الفاعل لم يدل عدمه على عدم الفاعل والإحكام إذا دل على علم المحكم له يدل التثبج على الجهل وكذلك الأمارات في سبيل الظنون إذا دلت على ثبوت أمر لم يدل انتقاؤها على انتفائه وهذا مما يستدل به من لم يشترط العكس.
807- وقد تعلق الجمهور بأن العكس لو كان شرطا لوجب ألا يقتل إلا قاتل من حيث كان القتل علة قتل القاتل ولا يقتل المرتد فإذا كان الحكم الثابت لعلة يطرد مع ارتفاعها لثبوت علة أخرى تخلفها عند ارتفاعها دل ذلك على أن الانعكاس ليس شرطا.
فإن قيل: امتنع الانعكاس لعلة فليقل الطارد وقد نقض عليه طرده إنما تركت حكم الطرد فيما التزمت لعلة فلما كان الطرد شرطا لم يكن بد من الاطراد فلو كان العكس شرطها لتعين ذلك أيضا وكذلك كل حكم يفرض تعلقه بعلل.
ولمن يشترط العكس أن يقول القتل الواجب بالقتل يعدم بعدم القتل وإنما الواجب عند عدم القتل قتل آخر ولكن المحل يضيق عن القتلات ويفوت بإيقاع واحد منها به .
والدليل على ذلك أنها مختلفة الأحكام على وجه لا يخفى مدرك اختلافه.