ذهب طوائف من الجدليين إلى أن ذلك لا بد منه وهذا ينبني على أصلين: أحدهما: المصير إلى إبطال الاستدلال على ما سيأتي القول فيه مشروحا بعد نجاز القول في القياس إن شاء الله تعالى ومن ينفي الاستدلال لا يجوز الاستمساك قط بمعنى غير مستند إلى أصل وإن كان مناسبا مخيلا فهذا أحد الأصليين.
و الأصل الثاني: أن الغرض من الفرق المعارضة والمعارضة ينبغي أن تشتمل على علة مستقلة.
فهذا مأخذ هذا المذهب.
1078- قال القاضي رحمه الله: رأينا تصحيح الاستدلال على ما سيأتي ولو كنت من القائلين بإبطال الاستدلال لقبلته على صيغة الفرق فإن الغرض من الفرق إبداء فقه يناقض غرض الجامع وهذا يحصل من غير رد إلى أصل ثم قد يقع الكلام وراء ذلك في ترجيح العلة على ما أبداه الفارق من حيث إن العلة مستندة إلى أصل وما أظهره الفارق لا أصل له وفيه كلام يطول استقصاؤه في الترجيح.
فآل حاصل القول في هذه المسألة إلى أن من يري الفرق معارضة ينزل منزلة المعارضات ومن يرى خاصية الفرق في مضادة جمع الجامع فلا يشترط فيه ما يشترط في العلة المستقلة.
مسألة:
قريبة المأخذ من التي تقدمت:
1079- ذهب ذاهبون من الذين صاروا إلى أن شرط الفرق استناده في جانب الفرع إلى أصل إلى أن الفارق إذا أبدى في الأصل معنى مغايرا لمعنى المعلل فينبغي أن يرد ذلك أيضا إلى أصل فيأتي في كلامه في شقي الفرع والأصل بأصلين ولا شك أن صدر هذا الكلام عن رأي من ينكر الاستدلال ولا يراه حجة.
وذهب آخرون ممن يشترط استناد الفرع إلى الأصل إلى أن ذلك غير مشروط في الأصل واحتج كل فريق على مخالفة بما عن له.
1080- فأما من لم يشترط ذلك فتمسك بأن الغرض الأظهر من الفرق معارضة معنى الأصل والتحاقه في محل النزاع فإذا أيد ذلك بأصل فقد وفى بالمعارضة في محل الخلاف فكفاه ذلك وأيضا فإنا لو كلفناه إلحاق معناه الذي أبداه.