1139- فنقول لمالك رحمه الله: أتجوز التعلق بكل رأي فإن أبي لم نجد مرجعا نقر عنده إلا التقريب الذي ارتضاه الشافعي رضي الله عنه كما سنصفه وإن لم يذكر ضبطا وصرح: بأن ما لا نص فيه ولا أصل له فهو مردود إلى الرأي المرسل واستصواب ذوي العقول فهذا الآن اقتحام عظيم وخروج عن الضبط ويلزم منه ما ذكره القاضي رحمه الله.
1140- وما نزيده الآن قائلين: لو صح التمسك بكل رأي من غير قرب ومداناة لكان العاقل ذو الرأي العالم بوجوه الإيالات إذا راجع المفتين في حادثة فأعلموه أنها ليست منصوصة في كتاب ولا سنة ولا أصل لها يضاهيها لساغ والحالة هذه أن يعمل العاقل بالأصوب عنده والأليق بطرق الاستصلاح.
وهذا مركب صعب لا يجترئ عليه متدين ومساقه رد الأمر إلى عقول العقلاء وإحكام الحكماء ونحن على قطع نعلم أن الأمر بخلاف ذلك.
ثم وجوه الرأي تختلف بالأصقاع والبقاع والأوقات ولو كان الحكم ما ترشد إليه العقول في طرق الاستصواب ومسالكه تختلف للزم أن تختلف الأحكام باختلاف الأسباب التي ذكرناها.
ثم عقول العقلاء قد تختلف وتتباين على النقائض والأضداد في المظنونات ولا يلزم مثل ذلك فيما له أصل أو تقريب فإن شوف الناظرين إلى الأصول الموجودة فإذا رمقوها واتخذوها معتبرهم لم يتباعد أصلا اختلافهم.
ولو ساغ ما قاله مالك رضي الله عنه إن صح عنه لاتخذ العقلاء أيام كسرى أنو شروان في العدل والإيالة معتبرهم.
وهذا يجر خبالا لا استقلال به.
1141- وإن أخذ مالك رحمه الله وأتباعه يقربون وجه الرأي من القواعد الثابتة في الشريعة فالذي جاءوا به مذهب الشافعي رحمه الله على ما سنصف طريقة.
وإنما وجهنا ما ذكرناه على من يتبع الرأي المجرد ولا يروم ربطة بأصول الشريعة ويكتفي ألا يكون في الشريعة أصل يدرؤوه من نص كتاب أو سنة أو إجماع.
1142- فإن قيل: فما معنى التقريب الذي نسبتموه إلى الشافعي؟
قلنا: هذا محز الكلام ونحن نقول: قد ثبتت أصول معللة اتفق القايسون.