فهذا مقنع في إبطال ما اعتمده الواقفية وشفاء الغليل يتبين في آخر المسألة إن شاء الله تعالى.
فإن عبر من الواقفية عن محاولة روم الوقف معبر فقال: إذا قال السيد لغلامه: افعل حسن منه الاستفهام والاستعلام لاستبانة المراد في الوجوب أو غيره كان ذلك ركيكا من الكلام واتجه في درئه على القرب: أن ذلك إن حسن على الندور فعند تخيل إشكال في قرائن الأحوال والغالب أن يعد المراجع في ذلك متكلفا وقد يستحق بدون ذلك التأديب.
135- فأما المعتزلة فقد بنوا حقيقة أصلهم على اقتضاء الصيغة الإرادة وقد تقدم الرد عليهم فيه محالا على فن الكلام والله سبحانه وتعالى: أمرنا بالإيمان على التعميم ولا يريد الإيمان ممن كفر ولا مطمع في الخوض في هذا الأصل العظيم.
136- وأما الفقهاء: فلا أرى لهم كلاما مرضيا يعول على مثله في ابتغاء القطع ولكن من أظهر ما ذكروه أن الصحابة الماضين والأئمة المتقدمين رضي الله عنهم أجمعين كانوا يتمسكون بمطلق الأمر في طلب إثبات الإيجاب ولا ينزلون عنه إلا بقرينة تنبه عليه.
وهذا المسلك لا يصفو من شوائب النزاع ويتطرق إليه أنهم كانوا يفعلون ذلك فيما اقترن به اقتضاء الإيجاب وكل مسلك في الكلام تطرق إليه إمكان لم يفض إلى القطع.
137- فإن قيل قد أبطلتم الوقف ومذهب المعتزلة والفقهاء فما المختار عندكم قلنا قد حان الآن أن نبتدىء المسلك الحق في صيغة المباحثة والتقسيم ومبادرة أطراف الكلام بالإسقاط حتى يقرب تعيين المدرك.
ثم إذ ذاك نطبق المفصل ونهجم على مدرك الحق.
فنقول: من أنكر أن العرب ما فصلت بين قول القائل افعل وبين قوله لا تفعل فليس من التحقيق على شيء فإنا على اضطرار نعلم الفصل في ذلك كما نعلم الفصل بين قول القائل "فعل" وبين قوله "ما فعل" ولا معنى لبسط ذلك مع وضوحه فإذا سقط هذا رددنا النظر إلى الإباحة التي هي تخيير ولا اقتضاء فيها ولا طلب وقلنا لا شك في فصل العرب بين قول من يقول لا حرج عليك.