المحض وذلك أنه قال أجمع المسلمون قاطبة قبل أن أظهر المعتزلة هذا الرأي على أن المكلفين على علم بكونهم مأمورين ومن أبى ذلك والتزم إطلاق القول بأنه ليس على البسيطة من يعلم كونه مأمورا فقد باهت الشريعة وراغم أهل الإجماع.
وهذا الذي ذكره رضي الله عنه تهويل لا تحصيل وراءه فإن إطلاقات الشرع لا تعرض على مأخذ الحقائق وإنما تحمل على حكم العرف والتفاهم الظاهر وهذا كإطلاق الشرع تحريم الخمر وإنما المحرم تناولها وكإطلاق المسلمين إضافة القتل إلى القاتل مع القطع بأن إزهاق الأرواح من الأشباح من مقدورات الإله سبحانه وتعالى:.
والمسلك الثاني للقاضي يلتفت إلى أصله في النسخ فإن من مذهبه أن الحكم يثبت قطعا ثم يرفع بعد ثبوته بالنسخ فقال بانيا على ذلك إذا توجه الأمر على المخاطب ثم فرض موته أول زمان إمكانه فقد تحقق حكم الخطاب أولا قطعا فإن انقطع الإمكان انقطع بانقطاعه ما كان ثبت قطعا كما نبهنا عليه في النسخ.
وهذا عندي في نهاية السقوط فإن القاضي يسلم أن الإمكان شرط توجه الأمر ولا يؤمر إلا متمكن فإذا تبين بعد تقرير اتصال الأمر زوال التمكن فكيف يعتقد ثبوت التكليف وقد بان آخر أن لا إمكان ولا وجه إذا بان ذلك إلا الإطلاق بأنا تبينا أن الأمر لم يكن متوجها فلا يتوجه القطع بتوجه أمر تكليف إلا مع القطع بالإمكان أو مع اعتقاد التكليف من غير إمكان وهذه قسمة بديهية لا يتصور مزيد عليها.
191- فقد خرج عن المباحثة أن المختار ما عزى إلى المعتزلة في ذلك.
وأما النسخ فسنأتي فيه بالعجائب والآيات إن شاء الله تعالى.
وقد نجز بنجاز هذه المسألة أحكام الأوامر الكلية ونحن الآن نأخذ في النواهي إن شاء الله تعالى.