فصل فِي بَيَان مُقْتَضى مُطلق الْأَمر فِي حكم التّكْرَارالصَّحِيح من مَذْهَب عُلَمَائِنَا أَن صِيغَة الْأَمر لَا توجب التّكْرَار وَلَا تحتمله وَلَكِن الْأَمر بِالْفِعْلِ يَقْتَضِي أدنى مَا يكون من جنسه على احْتِمَال الْكل وَلَا يكون مُوجبا للْكُلّ إِلَّا بِدَلِيل
وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا هَذَا إِذا لم يكن مُعَلّقا بِشَرْط وَلَا مُقَيّدا بِوَصْف فَإِن كَانَ فمقتضاه التّكْرَار بِتَكَرُّر مَا قيد بِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي مطلقه لَا يُوجب التّكْرَار وَلَكِن يحْتَملهُ وَالْعدَد أَيْضا إِذا اقْترن بِهِ دَلِيل
وَقَالَ بَعضهم مطلقه يُوجب التّكْرَار إِلَّا أَن يقوم دَلِيل يمْنَع مِنْهُ ويحكى هَذَا عَن الْمُزنِيّ وَاحْتج صَاحب هَذَا الْمَذْهَب بِحَدِيث أَقرع بن حَابِس رَضِي الله عَنهُ حَيْثُ سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْحَج أَفِي كل عَام أم مرّة فَقَالَ بل مرّة وَلَو قلت فِي كل عَام لَوَجَبَتْ وَلَو وَجَبت مَا قُمْتُم بهَا فَلَو لم تكن صِيغَة الْأَمر فِي قَوْله حجُّوا مُحْتملا التّكْرَار أَو مُوجبا لَهُ لما أشكل عَلَيْهِ ذَلِك فقد كَانَ من أهل اللِّسَان ولكان يُنكر عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُؤَاله عَمَّا لَيْسَ من محتملات اللَّفْظ فحين اشْتغل بِبَيَان معنى دفع الْحَرج فِي الِاكْتِفَاء بِمرَّة وَاحِدَة عرفنَا أَن مُوجب هَذِه الصِّيغَة التّكْرَار
ثمَّ الْمرة من التّكْرَار بِمَنْزِلَة الْخَاص من الْعَام وَمُوجب الْعَام الْعُمُوم حَتَّى يقوم دَلِيل الْخُصُوص
وَبَيَان هَذَا أَن قَول الْقَائِل افْعَل طلب الْفِعْل بِمَا هُوَ مُخْتَصر من الْمصدر الَّذِي هُوَ نِسْبَة الِاسْم وَهُوَ الْفِعْل وَحكم الْمُخْتَصر مَا هُوَ حكم المطول وَالِاسْم يُوجب إِطْلَاقه الْعُمُوم حَتَّى يقوم دَلِيل الْخُصُوص فَكَذَلِك الْفِعْل لِأَن للْفِعْل كلا وبعضا كَمَا للْمَفْعُول فمطلقه يُوجب الْكل ويحتمله ثمَّ الْكل لَا يتَحَقَّق إِلَّا بالتكرار
واعتبروا الْأَمر بِالنَّهْي فَكَمَا أَن النَّهْي يُوجب إعدام الْمنْهِي عَنهُ عَاما فَكَذَلِك الْأَمر يُوجب إيجاده تَمامًا حَتَّى يقوم دَلِيل الْخُصُوص وَذَلِكَ يُوجب التّكْرَار لَا محَالة