فَوَجَدَهُمْ يسلفون فِي الثِّمَار السّنة والسنتين فَقَالَ من أسلم فليسلم فِي كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم فقد كَانَ سَبَب هَذَا النَّص إسْلَامهمْ إِلَى أجل مَجْهُول ثمَّ لم يخْتَص هَذَا النَّص بذلك السَّبَب
وأمثلة هَذَا كثير فَعرفنَا أَن الْعَام لَا يخْتَص بِسَبَبِهِ
وَمن هَذِه الْجُمْلَة تَخْصِيص الْعَام بغرض الْمُتَكَلّم فَإِن من النَّاس من يَقُول يخْتَص الْكَلَام بِمَا يعلم من غَرَض الْمُتَكَلّم لِأَنَّهُ يظْهر بِكَلَامِهِ غَرَضه فَيجب بِنَاء كَلَامه فِي الْعُمُوم وَالْخُصُوص والحقيقة وَالْمجَاز على مَا يعلم من غَرَضه وَيجْعَل ذَلِك الْغَرَض كالمذكور
وعَلى هَذَا قَالُوا الْكَلَام الْمَذْكُور للمدح والذم وَالثنَاء وَالِاسْتِثْنَاء لَا يكون لَهُ عُمُوم لأَنا نعلم أَنه لم يكن غَرَض الْمُتَكَلّم بِهِ الْعُمُوم
وَعِنْدنَا هَذَا فَاسد لِأَنَّهُ ترك مُوجب الصِّيغَة بِمُجَرَّد التشهي وَعمل بالمسكوت فَإِن الْغَرَض مسكوت عَنهُ فَكيف يجوز الْعَمَل بالمسكوت وَترك الْعَمَل بالمنصوص بِاعْتِبَارِهِ وَلَكِن الْعَام يعرف بصيغته فَإِذا وجدت تِلْكَ الصِّيغَة وَأمكن الْعَمَل بحقيقتها يجب الْعَمَل والإمكان قَائِم مَعَ اسْتِعْمَال الصِّيغَة للمدح والذم (فَإِن الْمَدْح الْعَام وَالثنَاء الْعَام من عَادَة أهل اللِّسَان وَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاء والذم) وَاعْتِبَار الْغَرَض اعْتِبَار نوع احْتِمَال ولأجله لَا يجوز ترك الْعَمَل بِحَقِيقَة الْكَلَام
وَمن ذَلِك مَا قَالَه بعض الْأَحْدَاث من الْفُقَهَاء إِن الْقُرْآن فِي النّظم يُوجب الْمُسَاوَاة فِي الحكم وَبَيَان هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَا رفث وَلَا فسوق وَلَا جِدَال فِي الْحَج} فَإِن هَذِه جمل قرن بَعْضهَا بِبَعْض بِحرف النّظم وَهُوَ الْوَاو وَقَالُوا يَسْتَوِي حكمهَا فِي الْحَج
وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} إِن ذَلِك يُوجب سُقُوط الزَّكَاة عَن الصَّبِي لِأَن الْقرَان فِي النّظم دَلِيل الْمُسَاوَاة فِي الحكم فَلَا تجب الزَّكَاة على من لَا تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَعِنْدنَا هَذَا فَاسد وَهُوَ من جنس الْعَمَل بالمسكوت وَترك الْعَمَل بِالدَّلِيلِ لأَجله فَإِن كلا من الْجمل مَعْلُوم بِنَفسِهِ وَلَيْسَ فِي وَاو النّظم دَلِيل الْمُشَاركَة بَينهمَا فِي الحكم إِنَّمَا ذَلِك فِي وَاو الْعَطف وَفرق مَا بَينهمَا أَن وَاو النّظم تدخل بَين جملتين كل وَاحِدَة مِنْهُمَا تَامَّة بِنَفسِهَا مستغنية عَن خبر الآخر كَقَوْل الرجل جَاءَنِي زيد وَتكلم عَمْرو فَذكر الْوَاو بَينهمَا لحسن النّظم
وَبَيَان هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى {لنبين لكم ونقر فِي الْأَرْحَام مَا نشَاء} وَقَالَ بِهِ