وَلكنه فَاسق فِي تعاطيه فالعراقيون يَقُولُونَ لَا يعْتد بقوله فِي الْإِجْمَاع أَيْضا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْل لأَدَاء الشَّهَادَة وَلِأَن التَّوَقُّف فِي قَوْله وَاجِب بِالنَّصِّ وَذَلِكَ يَنْفِي وجوب الِاتِّبَاع
قَالَ رَضِي الله عَنهُ وَالأَصَح عِنْدِي أَنه إِذا كَانَ مُعْلنا لفسقه فَكَذَلِك الْجَواب لِأَنَّهُ لما لم يتحرز من إعلان مَا يَعْتَقِدهُ بَاطِلا فَكَذَلِك لَا يتحرز من إعلان قَول يعْتَقد بُطْلَانه بَاطِنا فَأَما إِذا لم يكن مظْهرا للفسق فَإِنَّهُ يعْتد بقوله فِي الْإِجْمَاع وَإِن علم فسقه حَتَّى ترد شَهَادَته لِأَنَّهُ لَا يخرج بِهَذَا من الْأَهْلِيَّة للشَّهَادَة أصلا وَلَا من الْأَهْلِيَّة للكرامة بِسَبَب الدّين أَلا ترى أَنا نقطع القَوْل لمن يَمُوت مُؤمنا مصرا على فسقه أَنه لَا يخلد فِي النَّار فَإِذا كَانَ هُوَ أَهلا للكرامة بِالْجنَّةِ فِي الْآخِرَة فَكَذَلِك فِي الدُّنْيَا بِاعْتِبَار قَوْله فِي الْإِجْمَاع
فَأَما كَونه عَالما مُجْتَهدا فَهُوَ مُعْتَبر فِي الحكم الَّذِي يخْتَص بمعرفته وَالْحَاجة إِلَيْهِ الْعلمَاء وعَلى هَذَا قُلْنَا من يكون متكلما غير عَالم بأصول الْفِقْه والأدلة الشَّرْعِيَّة فِي الْأَحْكَام لَا يعْتد بقوله فِي الْإِجْمَاع
هَكَذَا نقل عَن الْكَرْخِي
وَكَذَلِكَ من يكون مُحدثا لَا بصر لَهُ فِي وُجُوه الرَّأْي وطرق المقاييس الشَّرْعِيَّة لَا يعْتد بقوله فِي الْإِجْمَاع لِأَن هَذَا فِيمَا يَبْنِي عَلَيْهِ حكم الشَّرْع بِمَنْزِلَة الْعَاميّ وَلَا يعْتد بقول الْعَاميّ فِي إِجْمَاع عُلَمَاء الْعَصْر لِأَنَّهُ لَا هِدَايَة لَهُ فِي الحكم الْمُحْتَاج إِلَى مَعْرفَته فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمَجْنُون حَتَّى لَا يعْتد بمخالفته
ثمَّ قَالَ بعض الْعلمَاء الَّذين هم بِالصّفةِ الَّتِي قُلْنَا من أهل الْعَصْر مَا لم يبلغُوا حدا لَا يتَوَهَّم عَلَيْهِم التواطؤ على الْبَاطِل لَا يثبت الْإِجْمَاع الْمُوجب للْعلم باتفاقهم أَلا ترى أَن حكم التَّوَاتُر لَا يثبت بخبرهم مَا لم يبلغُوا هَذَا الْحَد فَكَذَلِك حكم الْإِجْمَاع بقَوْلهمْ لِأَن بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا يثبت علم الْيَقِين
وَالأَصَح عندنَا أَنهم إِذا كَانُوا جمَاعَة وَاتَّفَقُوا قولا أَو فَتْوَى من الْبَعْض مَعَ سكُوت البَاقِينَ فَإِنَّهُ ينْعَقد الْإِجْمَاع بِهِ وَإِن لم يبلغُوا حد التَّوَاتُر بِخِلَاف الْخَبَر فَإِن ذَلِك مُحْتَمل للصدق وَالْكذب فَلَا بُد من مُرَاعَاة معنى يَنْتَفِي بِهِ تُهْمَة الْكَذِب بكثرتهم أَلا ترى أَن صفة الْعَدَالَة لَا تعْتَبر هُنَاكَ وَهَذَا إِظْهَار حكم ابْتِدَاء لَيْسَ فِيهِ من معنى احْتِمَال تُهْمَة الْكَذِب شَيْء إِنَّمَا فِيهِ توهم الْخَطَأ فَإِذا كَانُوا جمَاعَة فالأمن عَن ذَلِك ثَابت شرعا كَرَامَة لَهُم بِسَبَب الدّين وَصفَة الْعَدَالَة على مَا قَررنَا