الْعَمَل بهَا
ويحكى عَن النظام أَن خبر الْوَاحِد عِنْد اقتران بعض الْأَسْبَاب بِهِ مُوجب للْعلم ضَرُورَة
قَالَ أَلا ترى أَن من مر بِبَاب فَرَأى آثَار غسل الْمَيِّت وَسمع عجوزا تخرج من الدَّار وَهِي تَقول مَاتَ فلَان فَإِنَّهُ يعلم مَوته ضَرُورَة بِهَذَا الْخَبَر لاقتران هَذَا السَّبَب بِهِ
قَالَ وَهُوَ علم يحدثه الله تَعَالَى فِي قلب السَّامع بِمَنْزِلَة الْعلم للسامع بِخَبَر التَّوَاتُر إِذْ لَيْسَ فِي التَّوَاتُر إِلَّا مَجْمُوع الْآحَاد وَيجوز القَوْل بِأَن الله تَعَالَى يحدثه فِي قلب بعض السامعين دون الْبَعْض كَمَا أَنه يحدث الْوَلَد بِبَعْض الْوَطْء دون الْبَعْض
وَهَذَا قَول بَاطِل فَإِن مَا يكون ثَابتا ضَرُورَة لَا يخْتَلف النَّاس فِيهِ بِمَنْزِلَة الْعلم الْوَاقِع بالمعاينة وَالْعلم الْوَاقِع بِخَبَر التَّوَاتُر
ثمَّ فِي هَذَا إبِْطَال أَحْكَام الشَّرْع من الرُّجُوع إِلَى الْبَينَات والأيمان عِنْد تعَارض الدعْوَة وَالْإِنْكَار والمصير إِلَى اللّعان عِنْد قذف الزَّوْج زَوجته فَإِن الْقَرَائِن من أبين الْأَسْبَاب وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يكون خبر الزَّوْج مُوجبا الْعلم ضَرُورَة فَلَا يجوز للْقَاضِي عِنْد ذَلِك أَن يصير إِلَى اللّعان وَكَذَلِكَ فِي سَائِر الْخُصُومَات يَنْبَغِي أَن ينْتَظر إِلَى أَن يحصل لَهُ علم الضَّرُورَة بِخَبَر المخبرين فَيعْمل بِهِ واقتران المعجزات بأخبار الرُّسُل من أقوى الْأَسْبَاب
ثمَّ الْعلم الْحَاصِل بِالنُّبُوَّةِ يكون كسبيا لَا ضَرُورِيًّا فَكيف يَسْتَقِيم مَعَ هَذَا لأحد أَن يَقُول إِن بِخَبَر الْوَاحِد يثبت الْعلم الضَّرُورِيّ بِحَال من الْأَحْوَال
فَإِن قيل فقد قُلْتُمْ الْآن إِن من جحد الرسَالَة فَإِنَّمَا جحد بعد الْعلم بهَا فَدلَّ أَن الْعلم الضَّرُورِيّ كَانَ ثَابتا بالْخبر
قُلْنَا إِنَّمَا كَانَ ذَلِك من قوم متعنتين عرفُوا نعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونبوته من كِتَابهمْ ثمَّ جَحَدُوا عنادا كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإِن فريقا مِنْهُم ليكتمون الْحق وهم يعلمُونَ} وَلَا يظنّ أحد أَن جَمِيع الْكفَّار كَانُوا عَالمين بذلك ضَرُورَة ثمَّ تواطؤا على الْجُحُود على ذَلِك لِأَن فِي هَذَا القَوْل نفي الْعلم بِخَبَر التَّوَاتُر فَإِن ثُبُوت الْعلم بِهِ بِاعْتِبَار انْتِفَاء تُهْمَة التواطؤ فَكيف يجوز إِثْبَات علم الضَّرُورِيّ عِنْد خبر الْوَاحِد بطرِيق يدل على نفي الْعلم بِخَبَر التَّوَاتُر وبمثله