الله وَلِهَذَا الِاسْتِثْنَاء وَقع لرَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام تردد فِي قِرَاءَته سُورَة الْمُؤمنِينَ فِي صَلَاة الْفجْر حَتَّى قَالَ لأبي رَضِي الله عَنهُ (هلا ذَكرتني) فَثَبت أَن النسْيَان مِمَّا لَا يُسْتَطَاع الِامْتِنَاع مِنْهُ إِلَّا بحرج بَين والحرج مَدْفُوع وَبعد النسْيَان النّظر فِي الْكتاب طَرِيق للتذكر وَالْعود إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْحِفْظ وَإِذا عَاد كَمَا كَانَ فَالرِّوَايَة تكون عَن ضبط تَامّ
وَأما النَّوْع الثَّانِي فَهُوَ أَن لَا يتَذَكَّر عِنْد النّظر وَلكنه يعْتَمد الْخط وَذَلِكَ يكون فِي فُصُول ثَلَاثَة رِوَايَة الحَدِيث وَالْقَاضِي يجد فِي خريطته سجلا مخطوطا بِخَطِّهِ من غير أَن يتَذَكَّر الْحَادِثَة وَالشَّاهِد يرى خطه فِي الصَّك وَلَا يتَذَكَّر الْحَادِثَة
ف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله أَخذ فِي الْفُصُول الثَّلَاثَة بِمَا هُوَ الْعَزِيمَة وَقَالَ لَا يجوز لَهُ أَن يعْتَمد الْكتاب مَا لم يتَذَكَّر لِأَن النّظر فِي الْكتاب لمعْرِفَة الْقلب كالنظر فِي الْمرْآة للرؤية بِالْعينِ ثمَّ النّظر فِي الْمرْآة إِذا لم تفده إدراكا لَا يكون مُعْتَبرا فالنظر فِي الْكتاب إِذا لم يفده تذكرا يكون هدرا وَهَذَا لِأَن الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة وتنفيذ الْقَضَاء لَا يكون إِلَّا بِعلم والخط يشبه الْخط فبصورة الْخط لَا يَسْتَفِيد علما من غير التَّذَكُّر وَمَا كَانَ الْفساد فِي سَائِر الْأَدْيَان إِلَّا بالاعتماد على الصُّور بِدُونِ الْمَعْنى
وروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف رحمهمَا الله أَن فِي السّجل وَرِوَايَة الْأَثر يجوز لَهُ أَن يعْتَمد الْخط وَإِن لم يتَذَكَّر بِهِ وَفِي الصَّك لَا يجوز لَهُ ذَلِك
وروى ابْن رستم عَن مُحَمَّد رحمهمَا الله أَن ذَلِك جَائِز فِي الْفُصُول كلهَا وَمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ رخصَة للتيسير على النَّاس
ثمَّ هَذِه الرُّخْصَة تتنوع أنواعا إِمَّا أَن يكون الْكتاب بِخَطِّهِ أَو بِخَط رجل مَعْرُوف ثِقَة موقع بتوقيعه أَو بِخَط رجل مَعْرُوف غير ثِقَة أَو غير موقع أَو بِخَط مَجْهُول أما أَبُو يُوسُف رَحمَه الله فَقَالَ السّجل يكون فِي خريطة القَاضِي مَخْتُومًا بختمه وَكَانَ فِي يَده أَيْضا فباعتبار الظَّاهِر يُؤمن فِيهِ التزوير والتبديل بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان وَالْقَاضِي مَأْمُور بِاتِّبَاع الظَّاهِر فِي الْقَضَاء فَلهُ أَن يعْتَمد السّجل فِي ذَلِك وَكَذَلِكَ كتاب الْمُحدث إِذا كَانَ فِي يَده وَإِن لم يكن السّجل فِي يَد القَاضِي فَلَيْسَ لَهُ أَن يعتمده لِأَن التزوير والتغيير فِيهِ عَادَة لما يبتنى عَلَيْهِ من الْمَظَالِم والخصومات وَمثله فِي كتاب