مُخْتَلفُونَ فِي أَن عِنْد الرُّجُوع هَل يجب الضَّمَان على شُهُود الأَصْل أم لَا فَلَعَلَّ القَاضِي مِمَّن يرى تضمينهم فَلَا يتَمَكَّن من الْقَضَاء بِهِ إِذا لم يَكُونُوا معلومين عِنْده وَمثل هَذَا لَا يتَحَقَّق فِي بَاب الْأَخْبَار مَعَ أَن شَاهد الْفَرْع يَنُوب عَن شَاهد الأَصْل فِي نقل شَهَادَته أَلا ترى أَنه لَو أشهد قوما على شَهَادَته فَسَمعهُ آخَرُونَ لم يكن لَهُم أَن يشْهدُوا على شَهَادَته بِخِلَاف رِوَايَة الْأَخْبَار وَإِذا كَانَ الفرعي يعبر عَن الأَصْل بِشَهَادَتِهِ لم يجد بدا من ذكره ليَكُون معبرا أَلا ترى أَنه لَو قَالَ أشهد عَن فلَان لم يكن ذَلِك مَقْبُولًا
وَهنا لَو قَالَ أروي عَن فلَان كَانَ مَقْبُولًا مِنْهُ
ثمَّ اشْتِغَال النَّاس بِالْإِسْنَادِ كاشتغالهم بالتكلف لسَمَاع الحَدِيث من وُجُوه وَذَلِكَ لَا يدل على أَن خبر الْوَاحِد لَا يكون حجَّة فَكَذَلِك اشتغالهم بِالْإِسْنَادِ لَا يكون دَلِيلا على أَن الْمُرْسل لَا يكون حجَّة
فَأَما مَرَاسِيل من بعد الْقُرُون الثَّلَاثَة فقد كَانَ أَبُو الْحسن الْكَرْخِي رَحمَه الله لَا يفرق بَين مَرَاسِيل أهل الْأَعْصَار وَكَانَ يَقُول من تقبل رِوَايَته مُسْندًا تقبل رِوَايَته مُرْسلا
للمعنى الَّذِي ذكرنَا
وَكَانَ عِيسَى بن أبان رَحمَه الله يَقُول من اشْتهر فِي النَّاس بِحمْل الْعلم مِنْهُ تقبل رِوَايَته مُرْسلا وَمُسْندًا
وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ مُحَمَّد بن الْحسن رَحمَه الله وَأَمْثَاله من الْمَشْهُورين بِالْعلمِ وَمن لم يشْتَهر بِحمْل النَّاس الْعلم مِنْهُ مُطلقًا وَإِنَّمَا اشْتهر بالرواية عَنهُ فَإِن مُسْنده يكون حجَّة ومرسله يكون مَوْقُوفا إِلَى أَن يعرض على من اشْتهر بِحمْل الْعلم عَنهُ
وَأَصَح الْأَقَاوِيل فِي هَذَا مَا قَالَه أَبُو بكر الرَّازِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن مُرْسل من كَانَ من الْقُرُون الثَّلَاثَة حجَّة مَا لم يعرف مِنْهُ الرِّوَايَة مُطلقًا عَمَّن لَيْسَ بِعدْل ثِقَة ومرسل من كَانَ بعدهمْ لَا يكون حجَّة إِلَّا من اشْتهر بِأَنَّهُ لَا يروي إِلَّا عَمَّن هُوَ عدل ثِقَة لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام شهد للقرون الثَّلَاثَة بِالصّدقِ والخيرية فَكَانَت عدالتهم ثَابِتَة بِتِلْكَ الشَّهَادَة مَا لم يتَبَيَّن خلافهم وَشهد على من بعدهمْ بِالْكَذِبِ بقوله ثمَّ يفشو الْكَذِب فَلَا تثبت عَدَالَة من كَانَ فِي زمن شهد على أَهله بِالْكَذِبِ إِلَّا بِرِوَايَة من كَانَ مَعْلُوم الْعَدَالَة يعلم أَنه لَا يروي إِلَّا عَن عدل
وَإِلَى نَحْو هَذَا أَشَارَ عُرْوَة بن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا حِين روى لعمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ فَقَالَ أَتَشهد بِهِ على رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ نعم فَمَا يَمْنعنِي من ذَلِك وَقد أَخْبرنِي بِهِ الْعدْل الرِّضَا
فَقبل عمر بن عبد الْعَزِيز رِوَايَته