بِأَكْثَرَ الرَّأْي لأجل الضَّرُورَة لِأَن ذَلِك حكم خَاص رُبمَا يتَعَذَّر الْوُقُوف عَلَيْهِ من جِهَة غَيره وَمثل هَذِه الضَّرُورَة لَا يتَحَقَّق فِي رِوَايَة الْخَبَر فَإِن فِي الْعُدُول كَثْرَة يُمكن الْوُقُوف على معرفَة الحَدِيث بِالسَّمَاعِ مِنْهُم فَلَا حَاجَة إِلَى الِاعْتِمَاد على رِوَايَة الْفَاسِق فِيهِ
ثمَّ فِي الْمُعَامَلَات جعل خبر الْفَاسِق مَقْبُولًا لأجل الضَّرُورَة أَيْضا فَإِن الْمُعَامَلَة تكْثر بَين النَّاس وَلَا يُوجد عدل يرجع إِلَيْهِ فِي كل خبر من ذَلِك النَّوْع إِلَّا أَن ذَلِك يَنْفَكّ عَن معنى الْإِلْزَام فجوز الِاعْتِمَاد فِيهِ على خبر الْفَاسِق مُطلقًا والحل وَالْحُرْمَة فِيهِ معنى الْإِلْزَام من وَجه فَلهَذَا لم نجْعَل خبر الْفَاسِق فِيهِ مُعْتَمدًا على الْإِطْلَاق حَتَّى يَنْضَم إِلَيْهِ غَالب الرَّأْي
وَمن النَّاس من لم يَجْعَل خبر الْفَاسِق مَقْبُولًا فِي الْمُعَامَلَة أَيْضا لظَاهِر قَوْله تَعَالَى {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وَرُوِيَ أَن الْآيَة نزلت فِي الْوَلِيد بن عقبَة حِين بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُصدقا إِلَى قوم فَرجع إِلَيْهِ وَقَالَ إِنَّهُم هموا بقتلي فَأَرَادَ رَسُول الله أَن يعْتَمد خَبره وَيبْعَث إِلَيْهِم خيلا لِأَنَّهُ مَا كَانَ ظَاهر الْفسق عِنْده فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة وَمَا أخبر بِهِ كَانَ من الْمُعَامَلَات خَالِيا عَن الْإِلْزَام وَمَعَ ذَلِك أَمر الله تَعَالَى بالتوقف فِي هَذَا النبأ من الْفَاسِق
وَلَكنَّا نقُول كَانَ ذَلِك خَبرا مستنكرا فَإِنَّهُ أخبر أَنهم ارْتَدُّوا بِمَنْع الزَّكَاة وجحودها وهموا بقتْله وَفِيه إِلْزَام الْجِهَاد مَعَهم وَنحن نقُول إِن من ثَبت فسقه لَا يعْتَبر خَبره فِي مثل هَذَا فَأَما فِي الْمُعَامَلَات الَّتِي تنفك عَن معنى الْإِلْزَام فَيجوز اعْتِمَاد خَبره لأجل الضَّرُورَة إِذْ الْفسق يرجح معنى الْكَذِب فِي خَبره من غير أَن يكون مُوجبا الحكم بِأَنَّهُ كَاذِب فِي خَبره لَا محَالة وَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ مَعَ الْفسق من أهل الشَّهَادَة
فَأَما الْكَافِر فَإِنَّهُ لَا تعتمد رِوَايَته فِي بَاب الْأَخْبَار أصلا
وَكَذَلِكَ فِي طَهَارَة المَاء ونجاسته إِلَّا أَنه إِذا وَقع فِي قلب السَّامع أَنه صَادِق فِيمَا يخبر بِهِ من نَجَاسَة المَاء فَالْأَفْضَل لَهُ أَن يريق المَاء ثمَّ يتَيَمَّم وَلَا تجوز صلَاته بِالتَّيَمُّمِ قبل إِرَاقَة المَاء لِأَنَّهُ لَا يعْتَمد خَبره فِي بَاب الدّين أصلا فَيبقى مُجَرّد غَلَبَة الظَّن وَذَلِكَ لَا يجوز لَهُ الصَّلَاة بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وجود المَاء بِخِلَاف الْفَاسِق فهناك يلْزمه أَن يتَوَضَّأ بذلك المَاء إِذا وَقع فِي قلبه أَنه صَادِق فِي الْإِخْبَار بِطَهَارَة