قولا بِخِلَاف إِجْمَاعهم وَلما اتفقنا أَن خبر الْوَاحِد مُوجب للْعَمَل كَخَبَر الْمثنى فَيتَحَقَّق التَّعَارُض بَين الْخَبَرَيْنِ بِنَاء على هَذَا الْإِجْمَاع أَرَأَيْت لَو وصل إِلَى السَّامع أحد الْخَبَرَيْنِ بطرق وَالْآخر بطرِيق وَاحِد أَكَانَ يرجح مَا وصل إِلَيْهِ بطرق إِذا كَانَ رَاوِي الأَصْل وَاحِدًا فَهَذَا لَا يَقُول بِهِ أحد وَلَا يُؤْخَذ حكم رِوَايَة الْأَخْبَار من حكم الشَّهَادَات أَلا ترى أَن فِي رِوَايَة الْأَخْبَار يَقع التَّعَارُض بَين خبر الْمَرْأَة وَخبر الرجل وَبَين خبر الْمَحْدُود فِي الْقَذْف بعد التَّوْبَة وَخبر غير الْمَحْدُود وَبَين خبر الْمثنى وَخبر الْأَرْبَعَة وَإِن كَانَ يظْهر التَّفَاوُت بَينهمَا فِي الشَّهَادَات حَتَّى يثبت بِشَهَادَة الْأَرْبَعَة مَا لَا يثبت بِشَهَادَة الِاثْنَيْنِ وَهُوَ الزِّنَا
وَكَذَلِكَ طمأنينة الْقلب إِلَى قَول الْأَرْبَعَة أَكثر وَمَعَ ذَلِك تتَحَقَّق الْمُعَارضَة بَين شَهَادَة الِاثْنَيْنِ وَشَهَادَة الْأَرْبَعَة فِي الْأَمْوَال ليعلم أَنه لَا يُؤْخَذ حكم الْحَادِثَة من حَادِثَة أُخْرَى مَا لم تعلم الْمُسَاوَاة بَينهمَا من كل وَجه
وَإِنَّمَا رجح خبر الْمثنى على خبر الْوَاحِد وَخبر الحرين على خبر الْعَبْدَيْنِ فِي مَسْأَلَة الِاسْتِحْسَان لظُهُور التَّرْجِيح فِي الْعَمَل بِهِ فِيمَا يرجع إِلَى حُقُوق الْعباد فَأَما فِي أَحْكَام الشَّرْع فخبر الْوَاحِد وَخبر الْمثنى فِي وجوب الْعَمَل بِهِ سَوَاء
وَمن هَذِه الْجُمْلَة إِذا كَانَ فِي أحد الْخَبَرَيْنِ زِيَادَة لم تذكر تِلْكَ الزِّيَادَة فِي الْخَبَر الثَّانِي فمذهبنا فِيهِ أَنه إِذا كَانَ الرَّاوِي وَاحِدًا يُؤْخَذ بالمثبت للزِّيَادَة وَيجْعَل حذف تِلْكَ الزِّيَادَة فِي بعض الطّرق محالا على قلَّة ضبط الرَّاوِي وغفلته عَن السماع وَذَلِكَ مثل مَا يرويهِ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ والسلعة قَائِمَة بِعَينهَا تحَالفا وترادا وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لم تذكر هَذِه الزِّيَادَة فأخذنا بِمَا فِيهِ إِثْبَات هَذِه الزِّيَادَة وَقُلْنَا لَا يجْرِي التَّحَالُف إِلَّا عِنْد قيام السّلْعَة
وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ يَقُولَانِ نعمل بِالْحَدِيثين لِأَن الْعَمَل بهما مُمكن فَلَا نشتغل بترجيح أَحدهمَا فِي الْعَمَل بِهِ
وَالصَّحِيح مَا قُلْنَا لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن أصل الْخَبَر وَاحِد وَذَلِكَ مُتَيَقن بِهِ وكونهما خبرين مُحْتَمل وبالاحتمال لَا يثبت الْخَبَر وَإِذا كَانَ الْخَبَر وَاحِدًا فَحذف الزِّيَادَة من بعض الروَاة لَيْسَ لَهُ طَرِيق سوى مَا قُلْنَا
وَالثَّانِي أَنا لَو جعلناهما خبرين لم يكن للزِّيَادَة الْمَذْكُورَة فِي أَحدهمَا فَائِدَة فِيمَا يرجع إِلَى بَيَان الحكم لِأَن الحكم وَاحِد فِي الْخَبَرَيْنِ وَلَا يجوز حمل كَلَام رَسُول الله على مَا فِيهِ إخلاؤه عَن الْفَائِدَة
فَأَما إِذا اخْتلف الرَّاوِي فقد علم أَنَّهُمَا خبران وَأَن النَّبِي