فَأَما بَيَان التَّقْرِير فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة الَّذِي يحْتَمل الْمجَاز وَالْعَام الْمُحْتَمل الْجمع تعم الْمَلَائِكَة على احْتِمَال أَن يكون المُرَاد بَعضهم وَقَوله تَعَالَى {كلهم أَجْمَعُونَ} بَيَان قَاطع لهَذَا الِاحْتِمَال فَهُوَ بَيَان التَّقْرِير
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَا طَائِر يطير بجناحيه} يحْتَمل الْمجَاز لِأَن الْبَرِيد يُسمى طائرا فَإِذا قَالَ يطير بجناحيه بَين أَنه أَرَادَ الْحَقِيقَة
وَهَذَا الْبَيَان صَحِيح مَوْصُولا كَانَ أَو مَفْصُولًا لِأَنَّهُ مُقَرر للْحكم الثَّابِت بِالظَّاهِرِ
وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق ثمَّ قَالَ نَوَيْت بِهِ الطَّلَاق عَن النِّكَاح أَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر ثمَّ قَالَ نَوَيْت بِهِ الْحُرِّيَّة عَن الرّقّ وَالْملك فَإِنَّهُ يكون ذَلِك بَيَانا صَحِيحا لِأَنَّهُ تَقْرِير للْحكم الثَّابِت بِظَاهِر الْكَلَام لَا تَغْيِير لَهُ
وَأما بَيَان التَّفْسِير فَهُوَ بَيَان الْمُجْمل والمشترك فَإِن الْعَمَل بِظَاهِرِهِ غير مُمكن وَإِنَّمَا يُوقف على المُرَاد للْعَمَل بِهِ بِالْبَيَانِ فَيكون الْبَيَان تَفْسِيرا لَهُ وَذَلِكَ نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} وَقَوله تَعَالَى {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} وَنَظِيره من مسَائِل الْفِقْه إِذا قَالَ لامْرَأَته أَنْت بَائِن أَو أَنْت عَليّ حرَام فَإِن الْبَيْنُونَة وَالْحُرْمَة مُشْتَركَة فَإِذا قَالَ عنيت بِهِ الطَّلَاق كَانَ هَذَا بَيَان تَفْسِير ثمَّ بعد التَّفْسِير الْعَمَل بِأَصْل الْكَلَام وَلِهَذَا أثبتنا بِهِ الْبَيْنُونَة وَالْحُرْمَة
وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم وَفِي الْبَلَد نقود مُخْتَلفَة ثمَّ قَالَ عنيت بِهِ نقد كَذَا فَإِنَّهُ يكون ذَلِك بَيَان تَفْسِير
وَسَائِر الْكِنَايَات فِي الطَّلَاق وَالْعتاق على هَذَا أَيْضا
ثمَّ هَذَا النَّوْع يَصح عِنْد الْفُقَهَاء مَوْصُولا ومفصولا وَتَأْخِير الْبَيَان عَن أصل الْكَلَام لَا يُخرجهُ من أَن يكون بَيَانا وعَلى قَول بعض الْمُتَكَلِّمين لَا يجوز تَأْخِير بَيَان الْمُجْمل والمشترك عَن أصل الْكَلَام لِأَن بِدُونِ الْبَيَان لَا يُمكن الْعَمَل بِهِ وَالْمَقْصُود بِالْخِطَابِ فهمه وَالْعَمَل بِهِ فَإِذا كَانَ ذَلِك لَا يحصل بِدُونِ الْبَيَان فَلَو جَوَّزنَا