ثَبت صفة الْعلم فِيهِ لِانْعِدَامِ ضِدّه
وَفِي كلمة الشَّهَادَة كَذَلِك نقُول فَإِن كَلَامه نفي الألوهية عَن غير الله تَعَالَى وَنفي الشّركَة فِي صفة الألوهية لغير الله مَعَه ثمَّ يثبت التَّوْحِيد بطرِيق الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَكَانَ الْمَقْصُود بِهَذِهِ الْعبارَة إِظْهَار التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ فَإِنَّهُ هُوَ الأَصْل وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ يبتنى عَلَيْهِ وَمعنى التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ بِهَذَا الطَّرِيق يكون أظهر
وعَلى هَذَا الأَصْل قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله إِذا قَالَ إِن خرجت من هَذِه الدَّار إِلَّا أَن يَأْذَن لي فلَان فَمَاتَ فلَان قبل أَن يَأْذَن لَهُ بطلت الْيَمين كَمَا لَو قَالَ إِن خرجت من هَذِه الدَّار حَتَّى يَأْذَن لي فلَان لِأَن فِي الْمَوْضِعَيْنِ يثبت بِالْيَمِينِ حظر الْخُرُوج موقتا بِإِذن فلَان وَلَا تصور لذَلِك إِلَّا فِي حَال حَيَاة فلَان فَأَما بعد مَوته وَانْقِطَاع إِذْنه لَو بقيت الْيَمين كَانَ مُوجبهَا حظرا مُطلقًا والموقت غير الْمُطلق
فَإِن قيل أَلَيْسَ أَنه لَو قَالَ لامْرَأَته إِن خرجت إِلَّا بإذني فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى تَجْدِيد الْإِذْن فِي كل مرّة وَلَو كَانَ الِاسْتِثْنَاء بِمَنْزِلَة الْغَايَة لكَانَتْ الْيَمين ترْتَفع بِالْإِذْنِ مرّة كَمَا لَو قَالَ إِن خرجت من هَذِه الدَّار حَتَّى آذن لَك
قُلْنَا إِنَّمَا اخْتلفَا فِي هَذَا الْوَجْه لِأَن كل وَاحِد من الْكَلَامَيْنِ يتَنَاوَل محلا آخر فَإِن قَوْله حَتَّى آذن مَحَله الْحَظْر الثَّابِت بِالْيَمِينِ فَإِنَّهُ تَوْقِيت لَهُ وَقَوله إِلَّا بإذني مَحَله الْخُرُوج الَّذِي هُوَ مصدر كَلَامه وَمَعْنَاهُ إِلَّا خُرُوجًا بإذني وَالْخُرُوج غير الْحَظْر الثَّابِت بِالْيَمِينِ فَعرفنَا أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا دخل فِي مَحل آخر هُنَا فَلهَذَا كَانَ حكم الِاسْتِثْنَاء مُخَالفا لحكم التَّصْرِيح بالغاية وبالاستثناء يظْهر معنى التَّوْقِيت فِي كل خُرُوج يكون بِصفة الْإِذْن وكل خُرُوج لَا يكون بِتِلْكَ الصّفة فَهُوَ مُوجب للحنث
قَالَ رَضِي الله عَنهُ اعْلَم بِأَن الِاسْتِثْنَاء نَوْعَانِ حَقِيقَة ومجاز
فَمَعْنَى الِاسْتِثْنَاء حَقِيقَة مَا بَينا وَمَا هُوَ مجَاز مِنْهُ فَهُوَ الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع وَهِي بِمَعْنى لَكِن أَو بِمَعْنى الْعَطف
وَبَيَانه فِي قَوْله تَعَالَى {لَا يعلمُونَ الْكتاب إِلَّا أماني} أَي لَكِن أباطيل
قَالَ تَعَالَى {فَإِنَّهُم عَدو لي إِلَّا رب الْعَالمين} أَي لَكِن رب الْعَالمين الَّذِي خلقني
وَقَالَ {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا إِلَّا سَلاما} أَي لَكِن سَلاما
وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى {إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم} إِنَّه بِمَعْنى الْعَطف وَلَا الَّذين ظلمُوا وَقيل لَكِن أَي لَكِن الَّذين ظلمُوا مِنْهُم فَلَا تخشوهم واخشوني
وَقيل فِي قَوْله {إِلَّا خطأ} إِنَّه بِمَعْنى لَكِن أَي لَكِن إِن قَتله خطأ
وَزعم بعض مَشَايِخنَا أَنه بِمَعْنى وَلَا
قَالَ رَضِي عَنهُ وَهَذَا غلط عِنْدِي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون عطفا على النَّهْي فَيكون نهيا وَالْخَطَأ لَا يكون مَنْهِيّا عَنهُ وَلَا مَأْمُورا بِهِ بل هُوَ مَوْضُوع قَالَ تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح فِيمَا أخطأتم بِهِ وَلَكِن مَا تَعَمّدت قُلُوبكُمْ}