فصلوَأما بَيَان الضَّرُورَة فَهُوَ نوع من الْبَيَان يحصل بِغَيْر مَا وضع لَهُ فِي الأَصْل
وَهُوَ على أَرْبَعَة أوجه مِنْهُ مَا ينزل منزلَة الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْبَيَان وَمِنْه مَا يكون بَيَانا بِدلَالَة حَال الْمُتَكَلّم وَمِنْه مَا يكون بَيَانا بضرورة دفع الْغرُور وَمِنْه مَا يكون بَيَانا بِدلَالَة الْكَلَام
فَأَما الأول فنحو قَوْله {وَورثه أَبَوَاهُ فلأمه الثُّلُث} فَإِنَّهُ لما أضَاف الْمِيرَاث إِلَيْهِمَا فِي صدر الْكَلَام ثمَّ بَين نصيب الْأُم كَانَ ذَلِك بَيَانا أَن للْأَب مَا بَقِي فَلَا يحصل هَذَا الْبَيَان بترك التَّنْصِيص على نصيب الْأَب بل بِدلَالَة صدر الْكَلَام يصير نصيب الْأَب كالمنصوص عَلَيْهِ
وعَلى هَذَا قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْمُضَاربَة إِذا بَين رب المَال حِصَّة الْمضَارب من الرِّبْح وَلم يبين حِصَّة نَفسه جَازَ العقد قِيَاسا واستحسانا لِأَن الْمضَارب هُوَ الَّذِي يسْتَحق بِالشّرطِ وَإِنَّمَا الْحَاجة إِلَى بَيَان نصِيبه خَاصَّة وَقد وجد وَلَو بَين نصيب نَفسه من الرِّبْح وَلم يبين نصيب الْمضَارب جَازَ العقد اسْتِحْسَانًا لِأَن مُقْتَضى الْمُضَاربَة الشّركَة بَينهمَا فِي الرِّبْح فببيان نصيب أَحدهمَا يصير نصيب الآخر مَعْلُوما وَيجْعَل ذَلِك كالمنطوق بِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَلَك مَا بَقِي
وَكَذَلِكَ فِي الْمُزَارعَة إِذا بَين نصيب من الْبذر من قبله وَلم يبين نصيب الآخر جَازَ العقد اسْتِحْسَانًا لهَذَا الْمَعْنى
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ فِي وَصيته أوصيت لفُلَان وَفُلَان بِأَلف دِرْهَم لفُلَان مِنْهَا أَرْبَعمِائَة فَإِن ذَلِك بَيَان أَن للْآخر سِتّمائَة بِمَنْزِلَة مَا لَو نَص عَلَيْهِ
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أوصيت بِثلث مَالِي لزيد وَعَمْرو لزيد من ذَلِك ألف دِرْهَم فَإِنَّهُ يَجْعَل هَذَا بَيَانا مِنْهُ أَن مَا يبْقى من الثُّلُث لعَمْرو كَمَا لَو نَص عَلَيْهِ
وَأما النَّوْع الثَّانِي فنحو سكُوت صَاحب الشَّرْع عَن مُعَاينَة شَيْء عَن تَغْيِيره يكون بَيَانا مِنْهُ لحقيته بِاعْتِبَار حَاله فَإِن الْبَيَان وَاجِب عِنْد الْحَاجة إِلَى الْبَيَان فَلَو كَانَ الحكم بِخِلَافِهِ لبين ذَلِك لَا محَالة وَلَو بَينه لظهر وَكَذَلِكَ سكُوت الصَّحَابَة عَن بَيَان قيمَة الْخدمَة للْمُسْتَحقّ على الْمَغْرُور يكون دَلِيلا على نَفْيه بِدلَالَة حَالهم